أخبار حياة- في مثل هذا اليوم تمر الذكرى السنوية لاغتيال رجل الدولة الشهيد وصفي التل، والذي تظل ذكراه حية في الأردن من خلال أعماله وإنجازاته التي تركت بصمة كبيرة في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويذكر المؤرخ د.فيصل الغويين، محطات عملية من حياة الشهيد ومنها أنه عين في عام 1955 مديرا للمطبوعات، حيث شهد الاردن وقتها نشاطا صحفيا لافتا.
وفي عهد حكومة الشهيد هزاع المجالي الثانية شغل موقع المدير العام للإذاعة، ورئيسا للتوجيه الوطني بالوكالة، وحاول من موقعه العمل على توحيد الجهد الإعلامي، وفق سياسة مركزية واحدة، وتقدم بمشروع للحكومة بمسمى «مشروع إنشاء المديرية العامة للإذاعة والأنباء»، بهدف المتابعة الصحفية للشأن الوطني والعربي بكفاءة أعلى ونفقات أقل.
كان التل في الـ43 من العمر عندما تولى رئاسة الحكومة للمرة الأولى؛ ففي 28 كانون الثاني 1962 شكل حكومته الأولى التي ضمت عشرة وزراء، لم يكن أيا منهم قد شغل منصبا وزاريا من قبل، وكان تركيزه في اختيار فريقه قائم على الكفاءة والنزاهة.
وكان من أبرز إنجازات هذه الحكومة تأسيس الجامعة الأردنية، ومحاربة مظاهر الفساد وزيادة رواتب الموظفين، مع زيادة ساعات العمل، بحيث أصبح دوام الموظفين على فترتين مسائية وصباحية.
ويضيف د.الغويين: «كما تم إنشاء معسكرات الحسين للعمل، للإفادة من جهود الطلاب خلال العطلة الصيفية، من خلال برنامج عسكري وثقافي يجمع بين الحث على قدسية التمسك بالأرض وقيم الانتاج».
أما في عهد حكومته الثانية 2 كانون الأول 1962، فقد تم إقرار برنامج السنوات السبع للتنمية الاقتصادية (1964 – 1970).
وفي 13 شباط 1965 شكل وصفي حكومته الثالثة، حيث تم استحداث وزارتين جديدتينن هما: وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة المواصلات. وجاء في بيان الحكومة أمام مجلس النواب، والعمل على تطبيق نظام التأمين الصحي، ودعم المجالس البلدية والقروية، والتوسع في التحريج. وفي عهد هذه الحكومة.
وبتاريخ 26 تشرين الثاني 1966 وضعت الحكومة قانونا للتجنيد الإجباري، كما تقرر اقتطاع نسبة معينة من رواتب الموظفين لصالح فلسطين.
وفي عهد هذه الحكومة تم توقيع اتفاقية تعديل الحدود بين الأردن والسعودية، وأتاح الاتفاق توسيع المساحة الساحلية للأردن على خليج العقبة من 6 كم إلى 25 كم.
وفي 23 كانون الأول 1966 شكل التل حكومته الرابعة محققا من خلال المشاريع والخطط الاستراتيجية تراكما كميا ونوعيا شمل مختلف القطاعات؛ فقد وصلت نسبة النمو الاقتصادي 11% سنة 1966، وارتفع احتياطي المملكة من الذهب والعملات الأجنبية، وتوفير فرص التعليم الإلزامي لجميع الأطفال في سن التعليم، وتنويع التعليم الثانوي ليشمل الأكاديمي والزراعي والصناعي والتجاري، وتوزيع الوحدات الزراعية على الفلاحين، وإنجاز مشروع قناة الغور الشرقية، وبنك الإنماء الصناعي، والمباشرة بمشروع التلفزيون.
عمل وصفي على تحقيق الوحدة الوطنية من خلال مشروع الاتحاد الوطني، الذي تضمن مبادئ ومرتكزات السياستين الداخلية والخارجية، والبنيان الاقتصادي، والخدمات العامة، والإدارة والتربية وغيرها، وقد انضم الآلاف إلى هذا التنظيم، فتحول إلى قوة شعبية كبيرة أشبه ما تكون بمجلس نواب شعبي، إلا أن المشروع تراجع بعد اغتياله وتم حله عام 1973.
وامتلك التل مرجعية معرفية عميقة أهلته لأن يصبح شخصية مؤثرة مؤهلة للقيادة في ظروف مصيرية، وتعد الثقافة الواسعة سمة هامة من سمات شخصيته، التي مكنته من لعب أدوار سياسية وعسكرية متعددة.
آمن التل بقدرة الأردن على الاكتفاء الذاتي، والخروج من حالة الارتهان، بشرط توفر النزاهة، وحسن استخدام الموارد، مع الابداع في استغلال الثروات الوطنية، وعلى رأسها الأرض، هو رئيس الحكومة الوحيد الذي تحول إلى رمز، ودخل الذاكرة الشعبية عبر عشرات الأغاني والأهازيج والقصائد التي تغنت به في حياته وبعد مماته.
وأعطى التل عصارة فكره وعمره للأردن، مع أن الأقدار شائت أن يولد في العراق ويستشهد في مصر، كأنه ساعة استشهاده كان يستحضر بيت شعر لوالده مصطفى: يا أردنيات إن أوديت مغتربا فانسجنها بأبي أنتن أكفاني.
إن استذكار سيرة ومناقب الشهيد، إنما هي إحياء وتذكير بقيم وأخلاق كانت تسود في وطننا، عندما كان للقوى والشخصيات السياسية أخلاقياتها التي تتجاوز المصالح الشخصية. وكان هم من يتولى المسؤولية إضافة مداميك للبناء الوطني والإنجاز الحقيقي.
قدم الشهيد في مسيرته نموذجا فذا يحتذى به في النزاهة والشجاعة وصدق الانتماء، ومثل أعلى في تحمل المسؤولية، وإدارة شؤون البلاد والعباد بالعدل والأمانة، وطهارة اليد، ونقاء السريرة.حيث
يؤكد كل من عاصره على انسجام سلوكه سواء أكان في السلطة أم خارجها ؛فقدكان بسيطا عفويا، وكان هو ذاته سواء كان رئيسا للوزراء أم فلاح في مزرعته.