سامح المحاريق
تتشابه بيانات الثقة التي تطرحها الحكومات المتتابعة، وتتوزع الأسباب بين طموحات ما زالت تحتاج إلى الكثير من العمل، وجعلتها التحديات المتعلقة بها هدفًا متحركًا في ظل الظروف الاقتصادية والإقليمية القائمة، وبين مشكلات مستوطنة جرت محاولة معالجتها المرة تلو الأخرى، من غير تحقيق تقدم يذكر، ومع ذلك، لا تخلو قراءة خطابات الثقة من عاملين مهمين يمكن ملاحظتهما، الأول، هو مدى ثقة رئيس الحكومة في قدرته على ترجمة الخطاب ومحتواه، وليس مجرد تلاوته الروتينية، ومن خلال تتبع لغة الجسد والتأكيد الصوتي على بعض الجمل والكلمات يم?ن الوقوف على الأولويات الحقيقية، أو النقاط العنيدة أو المتاحة، حسب تقدير الرئيس الذي يدرك أن خطاب الثقة يرتبط جوهريًا بكتاب التكليف الملكي، وبخطاب العرش الملكي الذي يسبق التقدم بالبيان الحكومي للمجلس النيابي.
الخطاب المتلفز وتفاصيل الإلقاء من قبل رئيس الحكومة مسألة يتلقفها المواطنون بكثير من الذكاء، ويمكن للإعلام أن يركز على بعضها، وأن يتجاوز عن الآخر، وفي النهاية، فلا كثير يعول على البيان الحكومي للثقة إلا بالمتحقق فعليًا، وبعض الجهات المعنية من الفاعلين السياسيين والاقتصاديين يمكنهم أن يلتقطوا إشارات متفرقة مثل الحديث عن المدينة الجديدة، أما الكلمات المفتاحية، فتبقى متاحةً لتكون عنوانًا لمرحلة كاملة من تاريخ العمل الحكومي في الأردن، وفي بيانه لمجلس النواب بالأمس، كان لاءات حسان واضحة، ويمكن أن تصلح مانشيتًا ع?يضًا لقراءة البيان من خلاله ومن زاوية الرؤية التي يحددها.
لا مجال أمامنا للتباطؤ أو التردد، أو إعادة إنتاج الخطط وتأجيل القرارات، هذا الاقتباس، يوضح أن الحكومة تنطلق من برنامج واسع وطموح كان انطلق بصورة أساسية بعد حكومة الرئيس عبد الله النسور التي تعاملت مع احتواء الآثار السياسية والاجتماعية والاقتصادية المباشرة لمرحلة الربيع العربي بما حملته من تحولات كبيرة على الإقليم والأردن، وبدأت بعدها مساعي الأردن إلى بناء نموذج خاص يشكل نقلة جديدة في دور الدولة تجاه المواطنين، وتجديد العقد الاجتماعي، مع التحفظ على الاستخدام الجزافي للمصطلح من بعض المسؤولين والمعلقين السياس?ين، وأتت محطات تعثر مختلفة من أزمة قانون الضريبة 2018 إلى وباء الكوفيد 19، ومع ذلك، أتى التوجه الملكي في تلك المرحلة أنه لا مجال للتسويف، وأن التذرع بالظروف المحلية والإقليمية يمكن أن يدفعنا إلى مربع أكثر تعقيدًا، ولذلك أتت حكومة الدكتور بشر الخصاونة لتحمل على عاتقها التعامل مع ملفي تهيئة المسار أمام التحديث السياسي والإصلاح الاقتصادي، وهي المهمة التي اتضحت معالمها مع مجلس نيابي أنتجه قانون انتخاب جديد، ومع وجود مجموعة من الأولويات وضعت في صورة أولويات ومهام، كثيرة ومعقدة، ولكنها واضحة إلى حد بعيد.
يترفع الرئيس حسان عن إطلاق الوعود الجزافية ليمنح حكومته مذاقًا خاصًا، فالوقت ليس مناسبًا لهذه الشخصنة، والمسار واضح ومحدد، صحيح أن كثيرًا من التحديات واجهته في السنوات الأخيرة، ولكنها لم تجعله متقادمًا إذ أنه يأتي محصلًة لسنوات من تدارس وقراءة المشهدين الداخلي والخارجي تأهبًا للمضي قدمًا في المئوية الثانية للدولة الأردنية بصورة تليق بما حققه الأردن في تاريخه وتطلعاته المستقبلية، ولذلك أتت صفة الواقعية لتفرض نفسها على البيان الحكومي، بل ولتضع قيمة التراكم بوصفها جزءًا أصيلًا من المسيرة، ولذلك يبدأ الرئيس من?حيث انتهى الآخرون، وهذه خطوة تقدر له شخصيًا، وإن كانت بطبيعة الحال لا تمثل حصانًة لبعض الأفكار التي ربما تحتاج إنضاجًا ومزيدًا من النقاش.
يضع الرئيس أمام المجلس النيابي، والأردنيين بطبيعة الحال، أطرًا زمنيًة واضحًة، ولا يضعها في التسويف المرن، فمباشرة مشروع كبير مثل الناقل المائي، الذي بقي طموحًا وطنيًا أردنيًا لسنوات، سيبدأ تنفيذه قبل نهاية العام المقبل، بما يعني أنه يضع لنفسه مؤشر الأداء مقدمًا بصورة كان يمكنه أن يتجاوزه بوضعها في مصطلحات مطاطية مثل (القريب العاجل) أو(في أقرب وقت). المباشرة الميدانية لأعمال الحكومة تعتبر بداية جيدة تحسب للرئيس، على الرغم من أن العمل المؤسسي يفترض أن ينصرف إلى قطع مسافات طويلة وبسرعة كبيرة، على التمكين الم?سسي، وبحيث تصبح الحكومة ملتزمة بالأداء على المستوى الوطني الكلي، من غير الدخول في التفاصيل، ويبقى أن يعود الرئيس ليضع أمام الأردنيين تفصيلًا شارحًا لتقدمه في تعهد محوري يتمثل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحوكمة قطاع الإدارة المحلية، وتحسين خدماتها الضرورية للمواطنين.
تلقى الأردنيون بيانًا حكوميًا ينصرف إلى المستقبل في وقت تبدو فيه الدول الشقيقة في المنطقة متأرجحة ومشتبكة مع تفاصيل لا تتخطى أيامًا أو أسابيعًا، ويبدو أن طبيعة البيان وواقعيته، ستكون مفتاحًا للحصول عى ثقة مريحة من مجلس النواب، خاصًة أن الرئيس هو الذي أضفى نبرة الإلزامية في كثير من بنود البيان، وتحدث بتفائل وثقة، وكل ما طلبه هو التشاركية المتوازنة، ويبدو أن المجلس لا يمتلك إلا أن يتلقف البيان بصورة إيجابية، لأنه لم يحمل نبرة متجاوزة للواقع أو منفصلة عنه، وبقي في حدود التفاؤل المعقول.