أخبار حياة – في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، رمز الصمود والمقاومة، كانت تعيش صفاء الغندور، قبل أن يجبرها الاحتلال والقصف اليومي على النزوح لتعاني فصولا من المعاناة والجوع واخوف.
صفاء، أم فلسطينية (31 عامًا)، في الشهر السابع من حملها، كانت تعيش مع طفلَيها زهير (11 عامًا) ووفاء (10 أعوام) باتت تحمل على عاتقها عبء الحرب والحصار، وتجسد معاناة آلاف العائلات الفلسطينية، بين أطلال الحياة اليومية التي دمرتها الحرب.
صوت الانفجارات في السابع من أكتوبر الماضي شكّل بداية حقبة جديدة من لها، تتذكر ذلك اليوم: “سمعت أصوات الانفجارات وأنا أجهز طفليّ للمدرسة. خفت ولم أرسلهما. لاحقًا فهمت من الأخبار أن الحرب قد بدأت، وأن القادم سيكون صعبًا”، تروي صفاء بوجه متعب وصوت مثقل بالحزن في شهادتها التي تابعها المركز الفلسطيني للإعلام.
بداية الحرب
“كان صباحًا عاديًا”، تبدأ صفاء حديثها، “كنت أجهز طفليّ للمدرسة، ثم سمعت أصوات انفجارات هزت المكان. توقفت عن إرسالهم للمدرسة. لاحقًا، علمنا أن الأوضاع قد تتجه نحو حرب”.

لم تمض سوى أيام حتى أصدر جيش الاحتلال أمرًا لسكان شمال القطاع بالنزوح جنوبًا. تقول صفاء: “لم يكن لدينا مكان نذهب إليه. قررنا البقاء لأن كل الأماكن بدت خطيرة. بقينا في منزلنا معتمدين على الأمل بأن يبقى الوضع تحت السيطرة”.
القصف والمجاعة
سرعان ما تحول الأمل إلى رعب. “القصف كان مستمرًا ليل نهار. أحد الصواريخ دمر منزل جيراننا القريب، تروي صفاء مشيرة إلى أن الشظايا وأشلاء الجثث كانت تتطاير حولهم، والأطفال كانوا يصرخون، “حاولت تهدئتهم لكنني كنت خائفة مثلهم”.
مع استمرار القصف، فرض جيش الاحتلال حصارًا مشددًا على المنطقة. “بدأنا نعاني من نقص في الطعام والماء. طحنّا الحبوب المخصصة للماشية لصنع الخبز. طفلاي أصيبا بالتهابات معوية وآلام في البطن بسبب نقص الغذاء والماء النظيف. لم يكن لدينا كهرباء، وكنا ندفع لجيراننا لشحن هواتفنا ومصابيحنا”.
الماء كان يُحضر من محطات بعيدة على بعد ساعة سيرًا على الأقدام. “أحيانًا كان الأطفال يساعدوننا، وأحيانًا كنا نضطر لشرب مياه غير صالحة. لم يكن هناك خضروات أو لحوم، وحتى الطحين كان نادرًا”.
الفقد والبحث

في ديسمبر 2023، اختفى شقيق صفاء، ميسرة العجوري (30 عامًا)، الذي كان يعمل حلاقًا في جباليا. “زارنا يومًا وأحضر لنا بعض الغسيل ليُغسل. قال إنه سيعود في اليوم التالي، لكنه لم يظهر مرة أخرى”.
فرض جيش الاحتلال حصارًا على جباليا، ولم تستطع العائلة الوصول إليه. بعد انسحاب الاحتلال، توجهت الأسرة إلى صالونه ومنزله المستأجر، لتجدهما مدمرين. تقول: “بحثنا عنه في المستشفيات وأبلغنا الصليب الأحمر، لكننا لم نجد أي أثر له. لا نعلم إذا كان معتقلًا أو قد قُتل”.
تهجير مستمر
نزحت صفاء وعائلتها مرات عديدة خلال الحرب، إلى المدارس ومراكز الإيواء، حيث كان الوضع مأساويًا. “في إحدى المرات نمنا عند مدخل المراحيض. الأماكن كانت مكتظة بشكل لا يوصف، لكن القصف الشديد دفعنا للبحث عن أي مأوى مؤقت”.
خلال إحدى تلك الليالي، انتقلت العائلة إلى منزل خالتها في حي الشيخ رضوان غرب غزة. تقول: “غادرنا تحت القصف المدفعي والنيران. كانت تلك أيامًا قاسية، نفد فيها الطعام الذي أحضرناه معنا. اضطر زوجي وأطفالي للوقوف في طوابير طويلة للحصول على الطعام من التكية”.
عندما عادوا إلى جباليا، كانت المنطقة مدمرة بالكامل. “الشوارع مليئة بالحفر والجثث. استخدم الناس عربات تجرها الحمير لنقل الجثث. الوضع كان كابوسًا”.
الأمل الضئيل
اليوم، تعيش صفاء في ظل ظروف إنسانية قاسية، تحاول تأمين الغذاء والماء لعائلتها، بينما تواجه صعوبة في توفير احتياجاتها الغذائية كحامل. “أحيانًا أشتري الفيتامينات بدلًا من الطعام. الأسعار مرتفعة للغاية، ولا أستطيع شراء الكثير”.
طفلاها، زهير ووفاء، خسروا سنة دراسية كاملة. “مدرستهم دُمرت، وهما الآن يقفان في طوابير للحصول على الماء والطعام بدلًا من اللعب أو التعلم. أحاول أن أخلق لهما أجواء طبيعية، لكن الخوف يحيط بنا من كل جانب”.
رغم كل شيء، ترفض صفاء مغادرة منزلها. “ليس هناك مكان آمن. كل الأماكن أهداف للقصف. فقدنا الكثير من الجيران والأصدقاء. نعيش في خوف دائم، ولكننا ننتظر أن تنتهي هذه الحرب الكارثية”.
نداء أخير
بين الدمار والخراب، تتمسك صفاء بأمل بسيط: “أريد أن أسمع خبرًا عن أخي ميسرة. فقط لأعرف أنه ما زال حيًا. نريد أن نعيش بأمان، أن نحصل على الماء والطعام دون خوف، وأن تتوقف هذه الحرب التي لا نهاية لها”.