كيف أسهمت الجامعات الإسرائيلية في صياغة العقائد والوسائل العسكرية للجيش؟

أخبار حياة – تعد الجامعات الإسرائيلية جزءا عضويا من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ولها دور كبير في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، إذ أدت دوراً محورياً في دعم جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الحروب على غزة، وقد برز دوها خلال حرب الإبادة المتواصلة على غزة من خلال تطوير التكنولوجيا العسكرية، وتوفير الأبحاث الإستراتيجية.

وخلال الحروب على غزة عملت الجامعات الإسرائيلية تطوير تطبيقات وتقنيات عسكرية من قبيل أجهزة تعتمد على تقنيات الواقع المعزز لتحسين الرؤية الليلية والمساعدة في تحديد الأهداف أثناء العمليات العسكرية، وتطوير مركبات قتالية غير مأهولة، بهدف تقليل الخسائر البشرية في صفوف الجنود. كما أسهمت الجامعات في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي عسكرية لتحليل البيانات الضخمة بسرعة كبيرة، مثل: تحليل الصور الجوية، التنبؤ بتحركات الأهداف العسكرية، وتحسين استجابة الطائرات بدون طيار.

وساهمت الجامعات الإسرائيلية كذلك في تطوير برامج للحماية السيبرانية واختراق الأنظمة بهدف استخدام المعلومات الاستخباراتية ضد فصائل المقاومة.

ولا تخلو جامعة إسرائيلية من مركز أبحاث للشؤون الأمنية والعسكرية، وأشهرها مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، ومركز بيغن السادات التابع لجامعة بار إيلان، ناهيك عن مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لمركز هرتسليا المتعدد المجالات.

فجامعة تل أبيب عملت على تطوير الإستراتيجية العسكرية المسماة “عقيدة الضاحية” التي تدعو إلى استخدام القوة المفرطة (غير المتكافئة) لهدم البنية التحتية المدنية والإضرار بالمدنيين، وكانت قوات الاحتلال قد استخدمتها إبان النكبة، وفي حربها ضد لبنان.

وتنحصر معالم تلك العقيدة في استخدام قوة مفرطة أو أكبر بكثير من تلك التي استخدمها الطرف المهاجم أو مصدر التهديد، لضمان أن التكلفة البشرية والمادية لأي هجوم مضاد سيكون باهظا، مما يجعل الرد على الهجوم أمرا مكلفا وصعبا، وأيضا تدمير القرى والبلدات التي يرى الاحتلال أنها تُستخدم منصات لإطلاق الصواريخ أو الهجمات كليا، بهدف تدمير القاعدة الشعبية فيها وجعلها تدفع ثمن دعمها أو وجود القوى المسلحة فيها.

وتتبنى عقيدة الضاحية التدمير الشامل للبنية التحتية والمنشآت الحيوية للخصم، سواء كانت مباني سكنية أو طرقا أو جسورا أو مرافق عامة، ومنهج “العقاب الجماعي” الذي يستهدف إيقاع أكبر قدر ممكن من الأضرار بالمدنيين.

وتعد سياسة الأرض المحروقة أحد أساليب عقيدة الضاحية، وتهدف لجعل المناطق المستهدفة غير صالحة للسكن، عبر استخدم كثيف للقوة الجوية، بما يمنح جيش الاحتلال سيطرة عسكرية وتقدما على الطرف الآخر أثناء المعارك، وتدمير أهداف وقتل شخصيات في قوائم معدة سلفا وقبل اشتعال المعارك (الحروب الخاطفة)، على أمل الإخلال بالموازين العسكرية لصالحها.

التخنيون.. معل لتطوير التقنيات العسكرية

ويُعد معهد إسرائيل للتكنولوجيا “التخنيون”، بجامعة حيفا، من أبرز المؤسسات الأكاديمية الخادمة للأمن الإسرائيلي، حيث يقوم بتدريب العديد من المهندسين كل عام. ومنذ عام 2002، يضم معهدا للتكنولوجيا، والذي “تركز أبحاثه على القضايا والمشاكل التي تواجه قطاع الأمن والدفاع في إسرائيل”. وفي عام 2017، تأسس مركز للبحث المتقدم في المجال العسكري كجزء من المؤسسة. وعلى موقعه الإلكتروني، يسلط المركز الضوء بشكل خاص على مشروع يهدف إلى تقليل الضوضاء التي تصدرها الطائرات بدون طيار.

ووظف المعهد أبحاثه على مدار العقود الماضية لتطوير التكنولوجيا العسكرية بالتعاون مع الجيش، فقد عمل بالشراكة مع شركة “إلبيت سيستمز” للتصنيع العسكري، والتي تعد من أكبر شركات السلاح الإسرائيلية، على تطوير تقنيات الطائرات بدون طيار لأغراض الاستطلاع والهجوم، وتطوير نظام تحكم عن بُعد لجرافة (D9)، التي يستخدمها جيش الاحتلال في عمليات هدم منازل المواطنين الفلسطينيين والكشف عن الأنفاق، وكذلك تطوير أجهزة تنصت تُستخدم في العمليات العسكرية.

وهو المعهد نفسه الذي طور التكنولوجيا المستخدمة في جدار الضم والفصل العنصري ومراقبته، بما في ذلك أجهزة استشعار وتقنيات تشويش تُستخدم في العمليات العسكرية.

في حين يوفر برنامج “تلبيوت” العسكري التابع للجامعة “العبرية”، والمدعوم من سلاح الجو الإسرائيلي، الفرصة أمام الخريجين في الحصول على شهادات جامعية عليا أثناء خدمتهم بالجيش، وبذلك يستغلون خبراتهم للتقدم في البحث والتطوير العسكري.

وتشكل التدريبات والدورات التي تقدمها مؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية عنصرا أساسيا في المجمع العسكري الصناعي لإسرائيل، مستفيدة من تمويل أوروبي كبير عبر برامج بحثية، ما جعلها تواجه اتهامات مزايدة بالتواطؤ في الإبادة والحروب التي يخوضها الاحتلال في المنطقة.

روابط وثيقة

وتقول الكاتبة كامي ستينو، إن الجامعات الإسرائيلية “متورطة في تطوير أنظمة الأسلحة والمذاهب العسكرية المستخدمة في جرائم الحرب الإسرائيلية الأخيرة في لبنان وغزة”.

وتؤكد ستينو في تقرير نشرته صحيفة “لاكروا” الفرنسية، أن الروابط في إسرائيل بين الجامعات والمجمع الصناعي العسكري وثيقة جدا؛ بدءا من التعاون مع الصناعات الدفاعية مرورا بتدريب الجنود وانتهاء بالتفكير في العقيدة العسكرية؛ حيث يرتبط جزء من العالم الأكاديمي الإسرائيلي ارتباطا وثيقا بالجيش والصناعة العسكرية.

وتفيد الكاتبة بأن شركات “إلبيت سيستمز” و”رافائيل”، وشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية تُعد أسماء غير معروفة لعامة الناس ولكنها في صميم الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة؛ إذ تقوم هذه الشركات الثلاث -اثنتان منها عموميةـ بتزويد جيش الاحتلال بالمعدات العسكرية، حيث تبيع شركة “إلبيت سيستمز” الخاصة، على وجه الخصوص، طائرات الاستطلاع بدون طيار وقذائف مدفعية.

وتوضح الشركة المصنعة على موقعها الإلكتروني أن بعض منتجاتها قد تم “اختبارها في ساحة المعركة”. كما أبرمت عقدا بقيمة 760 مليون دولار في 21 مايو/أيار مع وزارة الدفاع الإسرائيلية لتوريد الذخائر.

وأوردت الكاتبة أنه لتوظيف المواهب وتطوير تقنياتها، حيث تعمل شركة “إلبيت سيستمز” على ترسيخ نفسها في قلب النظام الجامعي الإسرائيلي. وبحسب الموقع المتخصص في القضايا الاقتصادية “إسرائيل فالي”، قامت جامعة تل أبيب وشركة إلبيت سيستمز بإدارة برنامج “إينوبايت” بشكل مشترك لمدة 7 سنوات، وهو عبارة عن منهج هندسي يسمح للشركة بتحديد الملفات الشخصية للمرشحين للتوظيف.

مهد الصناعات العسكرية

وتعد الجامعات الإسرائيلية مهد الصناعة العسكرية، وفق مايا ويند، الباحثة الإسرائيلية في جامعة كولومبيا البريطانية في فانكوفر (كندا)، ومؤلفة كتاب “أبراج من العاج والفولاذ. كيف تحرم الجامعات الإسرائيلية الحرية الفلسطينية؟”.

وتبين أن شركة إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء نشأت في معهد وايزمان للعلوم، وهي جامعة في مدينة رحوفوت، ونشأت شركة رافائيل الإسرائيلية في التخنيون بجامعة حيفا.

وتوضح مايا ويند أنه إلى جانب الروابط مع شركات الأسلحة؛ تعمل الجامعات الإسرائيلية أيضا على توفير أماكن لتدريب النخب العسكرية في دولة الاحتلال. وتؤكد أن “الجامعات الإسرائيلية الرئيسية لديها برامج أكاديمية للجنود”. فالجامعة العبرية في القدس، على سبيل المثال، لديها دورتان تدريبيتان ذات طابع عسكري.

ويتضمن برنامج “هافاتزالوت” شهادة مزدوجة “للنخبة” داخل قوات الاحتلال تهدف إلى تدريب ضباط المخابرات المؤهلين تأهيلا عاليا. ويتم التدريب بالاشتراك بين الجيش والجامعة العبرية. وإلى جانب هذا التدريب، تعد الجامعات الإسرائيلية أيضا مكانا للتفكير في الإستراتيجيات العسكرية التي يجب اعتمادها.

شركات طويلة الأمد

من جانب آخر، يقول إيفار إيكلاند المحاضر في جامعة باريس دوفين الفرنسية إن هناك علاقة وثيقة بين الجامعات وجيش الاحتلال الإسرائيلي، والصناعات العسكرية الإسرائيلية تستفيد من الدعم الدولي الذي تتلقاه الجامعات.

ويضيف أن الاتحاد الأوروبي هو المؤسسة الثانية التي تقدم أكبر قدر من التمويل للجامعات الإسرائيلية بعد الحكومة. وتابع إيكلاند أن هذا الدعم غير مسبوق في المنطقة وحتى في العالم، موضحا أن الصناعة العسكرية في إسرائيل أُسست تحت مظلة أقسام البحث في الجامعات.

ويلفت إلى أن الأبحاث في الجامعات الإسرائيلية تشمل تطوير تقنيات متقدمة مثل المسيّرات والصواريخ، وتُنفذ برامج بحث وتطوير طويلة المدى. ويوضح المحاضر في جامعة باريس دوفين الفرنسية أن الجامعات الحكومية السبع الكبرى في إسرائيل أنشأتها شركات تجارية تقيم شراكات طويلة الأمد مع الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية والأجنبية.

وذكر إيكلاند أن من الواضح جدا أن صناديق أبحاث الاتحاد الأوروبي تدعم في نهاية المطاف الصناعة العسكرية الإسرائيلية.

تمويل أوروبي

وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل دولة شريكة في برامج الاتحاد الأوروبي البحثي منذ عام 1996، وحصلت إسرائيل على منحة بقيمة 1.28 مليار يورو (1.32 مليار دولار) في الفترة من 2014 إلى 2020 ضمن برنامج “هورايزون 2020″، وأكثر من 747 مليون يورو في إطار برنامج “هورايزون يوروب” الذي بدأ عام 2021.

وبرنامج “هورايزون 2020” هو برنامج تمويل الأبحاث والابتكار التابع للاتحاد الأوروبي بميزانية تقارب 80 مليار يورو للفترة من 2014 إلى 2020.

أما “هورايزون يوروب” فهو البرنامج الرئيسي للاتحاد الأوروبي لتمويل الأبحاث والابتكار للفترة من 2021 إلى 2027 بميزانية تقارب 93.5 مليار يورو.

وفي سؤالها المكتوب إلى مفوضية الاتحاد الأوروبي في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشير العضوة السابقة في البرلمان الأوروبي إيدويا فيلانويفا رويز إلى أنه تم تقديم 1.28 مليار يورو للشركات والجامعات الإسرائيلية في نطاق مشروع “هورايزون 2020”.

وتلفت إلى أن الأنشطة التي تنفذها جامعة تل أبيب والجامعة العبرية في القدس ومعهد إسرائيل للتكنولوجيا -والتي تعد من بين المستفيدين من صناديق التمويل الأوروبية- تمول مؤسسات تسهم في إستراتيجية الحرب الإسرائيلية.

وتوضح رويز أن شركات الأسلحة الإسرائيلية الرائدة تحصل أيضا على تمويل من الاتحاد الأوروبي. وتقول إن الاتحاد الأوروبي يقدم دعما للصناعة الحربية في إسرائيل، فهو يمول البحث والتطوير ويشتري الأسلحة التي تطورها بعد اختبارها في فلسطين.

حركة مقاطعة دولية

وفي يوليو/تموز الماضي عبّر أكثر من ألفي أكاديمي أوروبي و45 مؤسسة عن قلقهم من أن الأنشطة ذات الأهداف العسكرية التي تنفذها المؤسسات الإسرائيلية المستفيدة من تمويل البرامج الأوروبية تسهم في الهجمات المستمرة على قطاع غزة.

ودعا الأكاديميون في رسالة إلى الاتحاد الأوروبي إلى تعليق التمويل المقدم للمؤسسات الإسرائيلية.

وأوضحوا أن تمويل برنامج “هورايزون يوروب” يلعب دورا حاسما في تطوير التكنولوجيا العسكرية لإسرائيل ويدعم صناعتها الدفاعية بشكل غير مباشر.

وجاء في الرسالة أن هذا التمويل يسهم بشكل مباشر في تعزيز القدرات العسكرية لإسرائيل. كما أكد الأكاديميون على ضرورة استبعاد المؤسسات الإسرائيلية من برامج الأبحاث التابعة للاتحاد الأوروبي بسبب الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة.

وساهمت الجامعات في صياغة العقائد العسكرية التي اعتمدها الجيش الإسرائيلي في حروبه على غزة. طوّرت جامعة تل أبيب ما يُعرف بـ”عقيدة الضاحية”، التي تدعو إلى استخدام القوة المفرطة ضد البنية التحتية المدنية للضغط على المقاومة. استُخدمت هذه العقيدة في العمليات العسكرية ضد غزة ولبنان، مما أدى إلى تدمير واسع النطاق وخسائر بشرية كبيرة.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات