أخبار حياة – يوثق تقرير حقوقي لمنظمة “هيومن راتيس ووتش” شهادات مروعة لسيدات من قطاع غزة، يروين معاناتهن، وتبعات الحرب على أجسادهن وحيواتهن، ويشير إلى الخطر الذي تتعرض له الفلسطينيات الحوامل، والذي يطاول حياة المواليد أيضاً، ليس بفعل القنابل والقصف فحسب، بل بفعل التجويع وسوء التغذية والحصار كذلك.
ومن بين هؤلاء شيماء سهيل أبو جزر التي نجت من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة لكنها فقدت ثلاثة من أطفالها، محمد وجنان، وعبد الله الذي ولد ميتًا، ولم يبق بين ذراعيها إلا أربع دقائق، حضنته فيها قبل أن يأخذه الطاقم الطبي لدفنه. كما فقدت زوجها عبد الله، ولم ينج معها سوى ابنها حذيفة وابنتها مريم.
تحكي شيماء قصتها من أحد مستشفيات قطر، وتصف القذيفة التي اخترقت قدمها وهي حامل، وكيف نجت بأعجوبة. لكن المعاناة لا تنتهي بالنجاة من الموت، كما يؤكد تقرير المنظمة الحقوقية الدولية الذي أورد الشهاد في تقرير من 50 صفحة بعنوان “خمسة أطفال في حاضنة واحدة: انتهاكات حقوق النساء الحوامل أثناء الهجوم الإسرائيلي على غزة”.
ويتوقف التقرير عند الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، والهجمات على المرافق الصحية في القطاع، ويصف خطرها بالجسيم، ويؤكد أنه “يهدد حياة النساء أثناء الحمل، وأثناء الولادة، وبعدهما، ويخلص إلى أن “الحصار غير القانوني الذي تفرضه القوات الإسرائيلية على قطاع غزة، والقيود الشديدة التي تفرضها على المساعدات الإنسانية، وهجماتها على المرافق الطبية والعاملين في الرعاية الصحية أضرَّت مباشرة بالنساء أثناء الحمل، وخلال الولادة، وفي فترة ما بعد الولادة”.
وتلفت المنظمة الحقوقية إلى مسؤولية سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بوصفها سلطة قائمة بالاحتلال، وانتهاكها “الحق في أعلى مستوى يمكن بلوغه حول الصحة، وغيره من حقوق النساء والحوامل، بما فيه الحق في الرعاية الصحية الكريمة والمحترمة طوال فترة الحمل والولادة وما بعد الولادة، ورعاية الأطفال حديثي الولادة”.
افتقار الرعاية وخطر الموت
وتشير المديرة المشاركة لقسم الأزمات والنزاعات والأسلحة في “هيومن رايتس ووتش”، بلقيس والي، إلى أنه منذ بدء حرب الإبادة على غزة، تمر النساء والفتيات بفترة حمل يفتقرن فيها إلى الحد الأدنى من الرعاية الصحية، والصرف الصحي، والمياه، والغذاء، فهنَّ وأطفالهن حديثو الولادة عرضة دوماً لخطر الموت الذي يمكن الوقاية منه.
تضيف والي: “الخروقات الصارخة والمتكررة التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في غزة لها وقع خاص وحاد على النساء الحوامل والمواليد الجدد. وقف إطلاق النار وحده لن ينهي هذه الظروف المروعة. على الحكومات الضغط على إسرائيل لضمان تلبيتها عاجلاً احتياجات النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة وغيرهم ممن يحتاجون إلى الرعاية الصحية”.
واعتمد التقرير على شهادات ومقابلات مع 17 شخصاً، بين يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول 2024، من بينهم ثماني نساء فلسطينيات كن حوامل خلال الحرب، وعاملون في المجال الطبي مع فِرق المنظمات والوكالات الإنسانية الدولية العاملة في غزة.
ويشير التقرير إلى أن خدمات الطوارئ للتوليد وحديثي الولادة تتوفر، وإن كانت محدودة، في سبع مستشفيات من أصل 18 مستشفى تعمل جزئياً في مختلف أنحاء غزة، كما في أربعة من 11 مستشفى ميدانياً، ومركز صحي واحد. وأن جودة “الرعاية الصحية التي تستطيع المرافق الطبية ومقدمو الخدمات القليلة المتبقية في غزة تقديمها انخفضت بشكل كبير”.
ويعني ذلك-وفقاً للتقرير-في الكثير من الحالات إخراج النساء من المستشفيات المكتظة على عجل، وفي بعض الأحيان بعد ساعات قليلة عقب الولادة بغية إفساح المجال لمرضى آخرين، وكثير منهم من جرحى الحرب. كما أن المستشفيات والمرافق الصحية تعمل في ظروف غير صحية تشهد ازدحاماً ونقصاً خطيراً في المواد الصحية الأساسية، بما فيها الأدوية واللقاحات.
حظر الأونروا
وتلفت “هيومن رايتس ووتش” الانتباه إلى أن منع عمل الوكالة “يهدد بمفاقمة الضرر بصحة الأمهات والمواليد الجدد. إذ يمنع القانونان الجديدان أونروا من العمل في شرقي القدس المحتلة، ما يجعل من المستحيل عليها إيصال المساعدات إلى الضفة الغربية المحتلة، أو غزة، أو الحصول على تصاريح أو تأشيرات لموظفيها.
ويبين أن أونروا توفر المياه والغذاء والمأوى وغيرها من الخدمات الحيوية لمئات آلاف الفلسطينيين في غزة، من ضمنهم النساء الحوامل والأمهات المرضعات والأطفال حديثو الولادة، وأي دخول إلى القطاع أو الضفة الغربية أو شرقي القدس منوط بموافقة إسرائيلية، لأن تلك المناطق تحت احتلالها أو سيطرتها.
ويتوقف تقرير “هيومن رايتس ووتش” عند حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، والتي أدت إلى أكثر من 50 ألف شهيد، وتظهر الإحصائيات أن أغلبية الشهداء الفلسطينيين من النساء والأطفال (70%)، والتقديرات تشير إلى وجود آلاف آخرين تحت الأنقاض، ناهيك بالجرحى.
كما أدت الحرب إلى “التهجير القسري لأكثر من 90% من سكان غزة، 1,9 مليون فلسطيني، وبعضهم تهجّر عدة مرات”، ويلفت إلى أنه “كان من المستحيل في معظم الأحيان إبلاغ النساء بالمكان الذي يمكنهن الحصول فيه على الخدمات الصحية بأمان، وكان من الصعب على النساء الوصول إلى الخدمات القليلة المتاحة بأمان في الوقت المناسب. لم تحصل النساء، والمواليد الجدد على أي قدر تقريباً من المتابعة الطبية والرعاية الصحية لما بعد الولادة”.
أفعال إبادة جماعية
وينبه تقرير المنظمة الحقوقية كذلك إلى أن المعلومات المتوفرة ضئيلة حول معدل بقاء المواليد الجدد على قيد الحياة، أو عدد النساء اللواتي لديهن أمراض خطيرة، أو اللواتي متن أثناء الحمل أو الولادة أو بعد الولادة، وذلك بسبب الظروف القاسية على الأرض. لكن رغم ذلك، فإن التقرير يشير إلى دراسات مختلفة إحداها صدرت في يوليو/تموز الماضي، عن صحة الأمومة، ومفادها أن “معدل الإجهاض التلقائي في غزة ارتفع بنسبة تصل إلى 300% منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023”.
وأدى الحصار الإسرائيلي غير القانوني لغزة، واستخدام التجويع أسلوبَ حرب إلى انعدام الأمن الغذائي الحاد لمعظم الناس، وتواجه النساء الحوامل عقبات هائلة في الحفاظ على التغذية الجيدة والنظام الغذائي الصحي الضروري لصحتهن ونمو الجنين، ويلفت التقرير إلى تقرير آخر صدر عن المنظمة حول حرمان حكومة الاحتلال الفلسطينيين عمداً من المياه، ما يشكل جريمة ضد الإنسانية، وأحد أفعال الإبادة الجماعية.
وأفادت نساء حوامل بتعرضهن للجفاف أو عدم تمكنهنّ من الاغتسال، ويسبب هذا الحرمان عدداً من الحالات الصحية أو يفاقمها كثيراً، بما يشمل فقر الدم، وتسمم الحمل، والنزيف، وتسمم الدم، وكلها يمكن أن تكون مميتة بدون علاج طبي مناسب.
ويتوقف تقرير “هيومن رايتس وواتش” عند عدم سماح سلطات الاحتلال للحوامل في غزة بالإجلاء إلّا في حالات قليلة (كما أغلب الجرحى والمرضى الفلسطينيين)، رغم أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يكفل لجميع المدنيين الحق في مغادرة بلادهم لأسباب تشمل الدواعي الطبية، والحق في العودة.
وتؤكد المنظمة أن سلطات الاحتلال ملزمة أيضاً بموجب القانون الإنساني الدولي بضمان حصول السكان المدنيين على الغذاء والمياه والإمدادات الطبية بأقصى ما تسمح به الوسائل المتاحة للحكومة القائمة بالاحتلال، “بموجب القانون، السلطات الإسرائيلية ملزمة بالسماح بحرية مرور جميع شحنات المستلزمات الطبية والمستشفيات والمواد الغذائية الأساسية والملابس والإمدادات الطبية المخصصة “للأطفال دون الخامسة عشرة والنساء الحوامل أو النفساوات”.
وتناشد المنظمة الحقوقية الدولية “حلفاء حكومة الاحتلال، بمن فيها الولايات المتحدة، اتخاذ كل التدابير الممكنة لإنهاء هذه الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة.
وتشدد هيومن رايتس وواتش على ضرورة وقف الحكومات المساعدات العسكرية لإسرائيل؛ ومراجعة الاتفاقيات الثنائية مع احتمال تعليقها، مثل اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، كما اقترحت حكومتا إسبانيا وأيرلندا، ودعم المحكمة الجنائية الدولية وغيرها في جهود المساءلة.
كما تناشد المنظمة الحكومات الاستمرار “في دعم جهود وكالة أونروا في غزة، بما يشمل توفير كل الموارد اللازمة لخدمات الصحة الجنسية والإنجابية. عليها أيضاً الضغط على إسرائيل لضمان دخول المتخصصين في الصحة الجنسية والإنجابية والصحة النفسية إلى غزة من دون قيود”.