أزمة التعريفات الجمركية.. النفط في بؤرة المشكلة

أخبار حياة – رغم تأجيل بدء فرض الرسوم الجمركية الأمريكية على المكسيك وكندا لمدة شهر، ودخول الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنسبة 10% على جميع المنتجات الصينية حيز التنفيذ، يبرز تساؤل حول كيف ستستجيب الأسواق حيال الأمر.

لا يمكننا الآن تقديم إجابة دقيقة عن هذا السؤال بخلاف نقطة واضحة بشأن الضعف، الذي يمكن أن يصيب العملتين الكندية والمكسيكية، حال إنفاذ الرسوم المؤجلة. وسيكون هناك قدر كبير من عدم اليقين في ظل أداء الإدارة الثانية لترامب.

إذا تم الإبقاء على التعريفات الجمركية، فقد ذهب إجماع المحللين إلى أنها ستبطئ نمو الولايات المتحدة طفيفاً، وستزيد التضخم قليلاً، وتقلل احتمالية خفض أسعار الفائدة هذا العام، إضافة إلى زيادة الإيرادات الضريبية. ومن شأن ذلك أن يبقي على استمرار ارتفاع الدولار، والإضرار بالأسهم، وزيادة العوائد قصيرة الأجل.

هذه التوقعات منطقية، وتتجه المؤشرات الأولية إلى أن هذا ما سنراه بالفعل، لذا لن يفاجئنا إلا القليل. وعلينا في الوقت نفسه أن نراقب أسهم شركات بناء المنازل (ما يتعلق بالتعريفات على الأخشاب الكندية) وصانعي السيارات (التعريفات المتعلقة بقطع الغيار المكسيكية).

من ناحية أخرى يأتي النفط في المرتبة الأولى بين الأمور المسببة للقلق عند التفكير في التداعيات السلبية، التي ستخلفها هذه التعريفات على الولايات المتحدة، ففي عام 2024 شكل النفط الكندي 55 % من واردات النفط الأمريكية، ونحو 23 % من إجمالي الاستهلاك الأمريكي من النفط.

وكنا قد قللنا سابقاً من مسألة النفط في مقال نشرناه بشأن التعريفات على كندا والمكسيك، وقلنا إن أسواق النفط كبيرة وعالمية، ومن المحتمل أن تتكيف، لكننا لم نعد متأكدين من هذا الرأي بعد مزيد من القراءات والتحليل.

وفي حين أن النفط سوق عالمي إلا أنه يعتمد بشدة على البنية التحتية المحلية، كما أن سلاسل التوريد تستغرق وقتاً لتتكيف، كما حدث في أوروبا بعد إغلاق أنابيب النفط الروسية، فقد ظلت أسعار النفط مرتفعة لأشهر بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وكان تأثير الأسعار أكبر في أوروبا (عند الحديث عن خام برنت) مقارنة بما شهدته الولايات المتحدة (عند الحديث عن خام غرب تكساس الوسيط)، وحتى بعد تدشين خطوط جديدة للشحن البحري.

وفي حالة الولايات المتحدة وكندا فهناك قدر كبير من البنية التحتية القائمة تتضمن آلاف الأميال من خطوط الأنابيب والمصافي في البلدين. وقد صممت المصافي الأمريكية خصيصا لتصفية النفط الكندي الأثقل والأرخص.

وفي هذا السياق، قال روري جونستون، الباحث في النفط لدى «كرود كرونيكلز»: «تشكل كندا أكثر من نصف إجمالي واردات النفط الخام الأمريكية لأن الخام الكندي الثقيل أرخص.

وقد أمضت المصافي الأمريكية عقوداً في الاستثمار في تقنيات صممت لمعالجة هذا النوع من النفط، والبنية التحتية كبيرة (خطوط الأنابيب)، لذلك ستتطلب الأمور وقتاً أطول، وكميات هائلة من النقود لتغييرها».

ومن المفترض أن إدارة ترامب تدرك هذا الأمر، كما تدرك المخاطر السياسية التي سيمثلها ارتفاع أسعار الطاقة الأمريكية، لذلك فقد فرضت تعريفات جمركية أقل قدرها 10 % على النفط الكندي، لكن حتى مع فرض هذه التعريفات المنخفضة فإنها ستثبط النمو، وتعزز التضخم. وقد تشعر الشركات الصناعية الأمريكية على وجه الخصوص بوخز هذا الأمر.

وقال تود فريدين، المسؤول التنفيذي السابق لدى شركة «موتيفا إنتربرايزس» لتوزيع الوقود، التي تملكها أرامكو السعودية و«شِل»، في رسالة بالبريد إلكتروني:

«تمثل التعريفات الأمريكية على النفط الكندي رياحاً معاكسة للصناعة في الولايات المتحدة، لأن ارتفاع أسعار النفط سيكون مقصوراً فقط على الولايات المتحدة، في حين أنه من المرجح أن ينخفض السعر العالمي قليلاً.

ومع ارتفاع التكلفة النسبية للطاقة في الولايات المتحدة، وعدم القدرة على التنبؤ بالسياسات المالية والعمالية الأمريكية، قد لا تكون الاستثمارات الصناعية الجديدة أكيدة».

على صعيد آخر فقد كان التقرير الأولي للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، الذي صدر مؤخراً جيداً للغاية، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.3 %. ويظل شعارنا وإجماع خبراء الاقتصاد هو أن المستهلك الأمريكي هو من يدفع قاطرة النمو.

وخلال الربع الرابع كان الإنفاق على السلع، الذي ترنح منذ نهاية الجائحة قوياً، كما نما الإنفاق على السلع المعمرة، وهي فئة متقلبة، بوتيرة قدرها 12 % بين الربعين الثالث والرابع، وبواقع 3.3 % خلال العام.

ومثلت السيارات أكثر من ربع إجمالي الإنفاق على السلع المعمرة، واتسمت مبيعاتها بالقوة في العام الماضي، ونمت بقرابة 3 %، لكن عند فحص نتائج شركات تصنع أنواعاً أخرى من السلع المعمرة، خاصة الباهظة، فليس بوسعي إلا أن أتساءل أين يذهب الإنفاق الإضافي الذي نراه في البيانات الوطنية؟

ومن الواضح أن الإنفاق لا يتوجه إلى الدراجات النارية التي تصنعها «هارلي دافيدسون»، إذ انخفضت المبيعات في أمريكا الشمالية بنسبة 10 % في الربع الأخير، كما أنه لا يذهب إلى الزوارق السريعة التي تصنعها «ماستر كرافت» فقد هوت مبيعاتها بمقدار 31 %.

ولا يتجه أيضاً إلى علامات تجارية أخرى للزوارق في متاجر مارين ماكس للتجزئة، التي شهدت انخفاض مبيعاتها بواقع 11 %، ولا يسلك الإنفاق طريقاً إلى أدوات الطهي الفاخرة التي تصنعها «ويليامز-سونوما» التي شهدت انخفاض مبيعاتها أيضاً بنسبة 3 %.

ولا يتجه الإنفاق إلى حمامات السباحة، التي تبنيها «بول كوربوريشن»، التي تراجعت مبيعاتها 3 % وشهد بناء حمامات السباحة الجديدة أداء أسوأ من ذلك، كما لا يذهب إلى المراتب التي تصنعها «تيمبر سيلي» التي تراجعت مبيعاتها في أمريكا الشمالية بمقدار 1 %، والقائمة تطول.

وعند فحص بيانات مصنعي السلع الباهظة وتجار التجزئة الذين يبيعونها سنجد أنه من الصعب العثور على واحد منهم شهد نمواً في المبيعات في الفترة الأخيرة (باستثناء علامة آر إتش للأثاث التي حظيت بربع جيد بعد أعوام متقلبة)، فهل يعود كل ذلك إلى تداعيات الإفراط في الإنفاق على السلع خلال الجائحة؟ أم هو تأثير «أمازون»؟ أم هو الجمود الذي يعتري سوق الإسكان؟ ترى قد يعود ذلك إلى سبب آخر لم نلاحظه بعد.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات