جائحة ترامب

سائد كراجة

لا جديد تحت سماء المروع الصهيوني؛ فالهدف ثابث وهو إقامة دولة يهودية على كامل مساحة فلسطين التاريخية والتوسع نحو «إسرائيل الكبرى». هذا ليس مشروع بن غفير أو نتنياهو، بل هو إرث الآباء المؤسسين، تتوارثه الأجيال الصهيونية جيلا بعد جيل.

خُدع النظام العربي الرسمي في تقديره لإسرائيل كشريك للسلام، وعليه الآن مراجعة أدواته المعرفية والسياسية، وهذه المراجعة ليست ترفا فكريا، بل مقدمة ضرورية لفهم المشروع الصهيوني والتعامل معه بواقعية.

ترامب ليس مجرد رئيس أميركي داعم لإسرائيل، بل طفرة جينية لفيروس المساندة المطلقة للصهيونية وهو بذلك يشكل جائحة سياسية.

فعلى الرغم من أنه يحمل جينات أسلافه في دعم المشروع الصهيوني، إلا أنه طفر عن نهجهم بتجاهل أي حسابات لمصالح أميركا في المنطقة.

في نظره، حماية الأنظمة العربية ليست التزاما أميركيا أو تعاونا استراتيجيا، بل هو دين يجب أن تسدده المنطقة عبر قبول تصفية القضية الفلسطينية بالتهجير إلى «العالم العربي الكبير»، ثم التطبيع الكامل مع إسرائيل.

ترامب تجاوز كل أسلافه في دعم المشروع الصهيوني، فحول الانحياز الأميركي إلى تفويض مطلق. اعترف بضم القدس وجعلها «عاصمة أبدية» لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، أقرّ بضم الجولان، وشرعن الاستيطان في الضفة الغربية، بل وصل به الأمر إلى العفو عن جرائم المستوطنين. واليوم، يعزف مع نتنياهو على وتر أن «إسرائيل صغيرة وتحتاج إلى التوسع». في نظره، القضية الفلسطينية ليست سوى صفقة عقارية، وسكانها مجرد «إزعاج» يمكن حله بالتهجير أو الإبادة، أو كليهما معا.

مبعوث ترامب لشؤون اللاجئين، آدم بوهلر، قال صراحة معلقا على رفض مصر والأردن التهجير، بأن عليهما تقديم عرض بديل عن التهجير للرئيس ترامب، علما بأن الرئيس -على ذمته – منفتح على جميع الأفكار. وأيضا عمرو موسى في عمان قبل أيام أقترح كآلية تعامل مع أميركا وترامب أن لا يكتفي العرب برفض التهجير وأن يقدموا عرضا بديلا له.

ولكن في تصوري وأنه قبل أي مقترح، يجب أولا تذكيره بحجم الخدمات التي تقدمها المنطقة له ولحلفائه. التعامل مع عقليته يتطلب رفع ثمن التعاون، وربما على الأردن بالذات مضاعفة هذا الثمن ثلاثة أو أربعة أضعاف، لأنه ضئيل فعليا.
تقارير الخبراء النفسية تشير إلى أن ترامب لا يقبل الحقائق من المختصين، لكنه يحترم منطق القوة . لذا، علينا التعامل معه بمنطق صفقات عادلة، وليس إقناعه بالعدول عن مواقف. وقد يكون إعادة طرح المبادرة العربية—السعودية كإطار تفاوضي متكافئ خطوة جيده لبدء اختبار موقفه.

ترامب جائحة، والمطعوم الحقيقي لمقاومة هذه الجائحة هي أن نستذكر محليا أن الأردن صلب وانه سينهض من هذا التحدي أقوى من السابق وان ننشر سردية وطنية مشتركة تقوم على رفض التهجير لان به تصفية القضية الفلسطينية من جانب وتهديد وجودي للأردن من جانب آخر، وهو لا يضمن السلام أو الطمأنينة لاحد في المنطقة، وأيضا أن نأخذ مطعوم الاستغناء عن المساعدات ونبدأ فعليا بصياغة مشروع سلام بين مكونات الشرق وآسيا بدعم خليجي ومغربي عربي لانهاء جميع أشكال النزاع الإثني والديني والإقليمي وبناء دول تقوم على مشروعية الدساتير ومشاركة الشعب وحقوق الإنسان وقبول التنوع والتكامل الاقتصادي، هذا مطعوم عربي كفيل بمواجهة جائحة ترامب وجائحة المشروع الصهيوني. وأن غدا لصانعه قريب جنابك.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات