أخبار حياة – اتخذت الصين موقفاً مغايراً لجارتي الولايات المتحدة. فبينما سلكت كل من كندا والمكسيك طريق التفاوض مع الرئيس دونالد ترامب لتجنب الرسوم الجمركية الأمريكية، اختارت بكين نهجاً مختلفاً وهو الرد بالمثل.
وأعلنت الصين فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10 % و15 % على سلع أمريكية تشمل الغاز الطبيعي المسال والفحم والنفط الخام والمعدات الزراعية. ولم تكتفِ الصين بذلك، بل أيضاً وسّعت نطاق إجراءاتها ليشمل فتح تحقيق في ممارسات شركة جوجل، وفرض قيود على تصدير المعادن النادرة، وإضافة شركتين أمريكيتين إلى قائمة الأمن القومي السوداء.
وعلى الرغم من أن معظم المحللين الاقتصاديين يرون أن تأثير هذه الإجراءات محدود، إلا أن هذا يبدو متوافقاً مع الهدف الصيني؛ وهو توجيه رسالة مقاومة واضحة للضغوط الأمريكية، مع تجنب أي تصعيد للتوتر قد يضر بمصالح الطرفين.
وتشمل الرسوم الصينية الجديدة أقل من 10 % من الواردات الأمريكية، وذلك خلافاً لنهج ترامب الذي فرض رسوماً شاملة. وركزت بكين استراتيجياً على قطاع الطاقة، مستفيدة من مرونة أسواقه في امتصاص الصدمات وتقليل الأضرار على المستهلكين. وعلى الرغم ذلك من، فإن هذه الرسوم ليست رمزية، إذ ستؤثر في الاقتصاد الأمريكي على المدى القصير، وخاصة أن الصين أكبر مستورد ومنتج ومستهلك للفحم عالمياً، ومع ارتفاع وارداتها من الفحم الأمريكي.
ففي سنة 2024، شكّلت صادرات الفحم الأمريكي إلى الصين 11 % من مجمل صادرات الولايات المتحدة، ولكنها لم تتجاوز 1 % من استهلاك الصين للفحم. ومع خطط الصين لخفض استهلاك الفحم لأسباب بيئية، سيكون تأثير هذا التراجع محدوداً فيها. وفي المقابل، ستواجه شركات تعدين الفحم الأمريكية تحديات في إيجاد أسواق بديلة، ما قد يزيد الضغوط السياسية على إدارة ترامب في الولايات المعتمدة على هذه الصناعة.
وينطبق الأمر ذاته على النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، إذ أصبحت الصين مستورداً رئيساً لهما من الولايات المتحدة، ولكن الصادرات الأمريكية لا تزال تشكل نسبة ضئيلة من مجمل الاستهلاك الصيني.
وفي قطاع النفط تحديداً، تشير التوقعات إلى وصول الطلب الصيني ذروته في سنة 2027. وفي النهاية، يبدو أن الولايات المتحدة ستتحمل الجزء الأكبر من التأثير السلبي، نظراً للوقت الذي ستحتاجه سلاسل التوريد للتكيف مع الوضع الجديد.
أما الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الصين فكانت أقل حدة، لأن جوجل لا تمتلك حضوراً تجارياً كبيراً في السوق الصينية، وإحدى الشركتين الأمريكيتين اللتين تم إدراجهما حديثاً في القائمة السوداء كانت تخضع لتحقيق سابق. كما فرضت بكين قيوداً على بعض المعادن العام الماضي، ما دفع المستوردين الأمريكيين إلى التكيف مع هذه التغييرات.
وتكتسب الإجراءات الصينية منطقها الخاص عند وضعها في سياق التحديات الاقتصادية الكبرى التي تواجهها البلاد. فالاقتصاد الصيني يمر بمرحلة صعبة، والقيادة تسعى جاهدة لتجنب موجة جديدة من الرسوم الأمريكية. وردود الفعل المحسوبة تلك تحقق هدفين استراتيجيين: تعزيز صورة القوة والصلابة أمام الرأي العام المحلي، مع اكتساب أوراق ضغط يمكن استخدامها في أي مفاوضات مستقبلية، ومن دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.
وقال تيانلي هوانغ، الخبير في معهد بيترسون: «لا أعتقد بأن من مصلحة الصين التصعيد بشكل كبير. فالطلب الخارجي يمثل حالياً عنصراً حيوياً للنمو الاقتصادي الصيني، وخاصة في ظل الضعف الملحوظ في الطلب المحلي.
وتظهر الأرقام أنه في سنة 2024، أسهم صافي الصادرات بنسبة 30 % في نمو الناتج المحلي الإجمالي، بعدما كان عاملاً سلبياً في العام السابق. وأي رسوم أمريكية كبيرة ستلحق ضرراً حتمياً بالاقتصاد الصيني، وخاصة في ما يتعلق بمعدلات البطالة ومستويات الأجور والطلب المحلي. وفي ظل كل هذه التحديات الداخلية، لا يبدو أن من مصلحة الصين الانخراط في سياسة الرد بالمثل».
وتشير تصريحات الفريق الاقتصادي لدونالد ترامب إلى أن الولايات المتحدة ليست مهتمة بالدخول في مفاوضات مع الصين. فقد زعم المستشار التجاري لترامب، بيتر نافارو، أن الرئيس سيجري محادثات مع الزعيم الصيني شي جين بينغ يوم الثلاثاء، ولكن هذا لم يحدث. وحينما يحين وقت الحديث بينهما، قد يكون من الصعب التوصل إلى أرض مشتركة.
البيان