م. خالد نصار
يبدأ هذا العام السباق الانتخابي النقابي والذي يتكرر مرة كل ثلاث سنوات، ابتداء من كبرى النقابات المهنية، نقابة المهندسين الأردنيين، والتي تكمن أهميتها في عدد منتسبيها الكبير، والذي يفوق 190,000 مهندسة ومهندس حتى هذه اللحظة، إضافة إلى تمثيلها لفئة مهنية تشكل نسبة كبيرة من مكونات الطبقات الوسطى، وهي المكون الاقتصادي والاجتماعي والسياسي العريض في المجتمع الأردني.
وترتبط حدة وسخونة الانتخابات عادة بحدة الصراع السياسي بين توجهات أعضاء القوائم المتنافسة، بحيث يتم تشكيل القوائم بناء على تموضع أعضائها في مواقفهم السياسية العالمية والإقليمية والوطنية، وبخطوة غير معهودة، تتميز هذه الدورة الانتخابية (2025 – 2028) بظهور القائمة النقابية الموحدة، وهي التحالف الموحد الأكثر قربا لمعناه الحقيقي في تاريخ النقابة، بحيث ضم السواد الأعظم من التيارات اليسارية والقومية والتكنوقراط والمستقلين، إضافة إلى الناشطين النقابيين من التيارات المحافظة والوطنية والوسطية والأحزاب حديثة التأسيس، جنبا إلى جنب مع التيار الإسلامي وحلفائه، بحيث تمثل أداة قوية لتحقيق استقرار النظام النقابي، لتسطير تاريخ جديد من العمل الجماعي لتحقيق أهداف النقابة.
تأسست نقابة المهندسين الأردنيين بهدف تطوير المهنة الهندسية في الأردن، ورفع مستوى الكفاءة والاحترافية لدى المهندسين، وضمان حماية حقوقهم المهنية، مما يجعلها من الفاعلين الأساسيين في بناء بيئة اقتصادية تنافسية ومستدامة، وبما أن هيئاتها المنتخبة هي صاحبة القرار في رسم سياساتها، فإن نتائج انتخاباتها تلقي بظلالها الاقتصادية والاجتماعية على المهندسين بشكل خاص والمجتمع الأردني بشكل عام، لذلك من الضروري تبني استراتيجيات جديدة تهدف إلى تحسين البيئة الاقتصادية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، وتعزيز قدرة النقابة التفاوضية في القضايا المهنية المختلفة، مما يعزز من دور النقابة في الدفاع عن مصالح منتسبيها أمام الحكومة والقطاع الخاص بطريقة أكثر فاعلية وتأثير، بعيدًا عن التجاذبات السياسية.
عندما نتحدث عن تطوير المهنة والتنمية الاقتصادية، يظهر لنا تحديث التشريعات واحدة من أهم الأولويات، والتي حسب قانون نقابة المهندسين، لا يمكن إنجازها بدون موافقة هيئتها العامة، من خلال التصويت والاستفتاء، والتي تؤثر على نتائجها الصراعات السياسية حكما بين القوائم المتنافسة، وبالتالي تكون النتائج مبنية على أساس سياسي وليس مهني، وفي هذا السياق، يعتبر تحييد الصراعات السياسية في انتخابات نقابة المهندسين خطوة استراتيجية تساهم في توجيه الجهود نحو تحديث هذه التشريعات حسب المصلحة المهنية وليس السياسية.
التحديات الاقتصادية المستمرة، مثل البطالة وارتفاع الأسعار، تساهم في زيادة الاحتقان المجتمعي، وتعد الطبقات الوسطى الأكثر تأثرًا بهذه التحديات، حيث يُمكن أن يؤدي الشعور بالإحباط والتمييز إلى تفاقم التوترات الاجتماعية، وعليه، يساهم التوحد في تخفيف هذا الاحتقان بشكل ملموس، وخلق منصة للحوار المنفتح بين النقابة، والحكومة، والقطاع الخاص، مما يتيح فرصة للتفاوض على حلول عادلة وفعالة في مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي تهدئة الاحتقان المجتمعي وتحقيق المزيد من التماسك الاجتماعي، والتعزيز من استقرار المجتمع ككل.
في إطار رؤية التحديث الاقتصادي، يتعين على الحكومة أن تعمل على تطوير بيئة اقتصادية ممكنة توفر للقطاع الهندسي فرصًا أكبر للنمو والابتكار، وبذلك، توفر القائمة النقابية الموحدة غطاءا مهما لتعزيز هذا التوجه، حيث يمكن للنقابة أن تساهم بوضع سياسات اقتصادية تُحفِّز على الاستثمار في المشاريع الاستراتيجية، بالشراكة مع أكبر عدد ممكن من ممثلي القطاعات المختلفة، ومنهم العام والخاص، مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة، والتي تُعد محركات رئيسية للاقتصاد الوطني، ولا سيما تحسين مناخ الأعمال، وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تعزيز تكافؤ الفرص وتقليل الفجوات الاقتصادية بين الطبقات المختلفة، وواحدة من أبرز الطرق لتحقيق هذه العدالة تكمن في تحسين وضع المهندسين، وهم مكون رئيسي من الطبقات الوسطى في المجتمع.
دعم القائمة النقابية الموحدة في انتخابات نقابة المهندسين ليس مجرد تعزيز لاستقرار النقابة أو تحسين أوضاع المهندسين، بل هو خطوة استراتيجية تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، وتطوير بيئة اقتصادية ممكنة، وتحديث التشريعات، من خلال هذه الخطوة، يُمكن الإسراع في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتقليل الفجوات الاقتصادية، وبالتالي تحصين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للطبقات الوسطى، وتحفيز الابتكار والنمو الاقتصادي، كما تساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي وتخفيف الاحتقان المجتمعي، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وازدهارًا، ويحقق مصلحة الجميع بعيدًا عن الصراعات السياسية التي قد تُعيق التقدم والتطور، وتعزيز جهود تطوير المنظومة السياسية من خلال تكامل الجهود بين ميادين العمل العام، سياسيا ونقابيا ومهنيا.