أخبار حياة – بات الفنانون أحدث فئة في القطاع الإبداعي تعرب عن اعتراضها المتكرر على الاستغلال الذي يمارسه الذكاء الاصطناعي، حيث احتج أكثر من 3000 فنان على قرار دار المزادات «كريستيز» بيع أعمال فنية أنتجتها برامج الذكاء الاصطناعي.
قد يبدو هذا الاعتراض غير مبرر للبعض، إذ تباع الأعمال الفنية بأسعار خيالية، ومع ذلك فإنها لا تحقق دائماً عوائد مرتفعة للمستثمرين، وفقاً لما ذكره الاقتصادي ويليام بومول، الذي أشار إلى أن العائد السنوي للاستثمار في الفنون لا يتجاوز 0.55%، وهو ما يعادل خمس العائد الذي تحققه الأصول المالية الأخرى.
وبينما تتصدر المزادات الكبرى أخبار بيع لوحات جان ميشيل باسكيات وليوناردو دافنشي بأسعار خيالية، يواجه غالبية الفنانين صعوبات مالية كبيرة، ففي بريطانيا، أظهرت دراسة لمؤسسة «داكس»، المتخصصة في حقوق الفنانين، أن متوسط دخل الفنان التشكيلي لا يتجاوز 12500 جنيه سنوياً، أي أقل من نصف الحد الأدنى للأجور.
أما في الولايات المتحدة، فيصل إلى 51800 دولار، وهو أقل بنسبة 25% من راتب المدرس. وتزيد صالات العرض الأمور سوءاً بفرض عمولات مرتفعة تتراوح بين 30% و50% من سعر العمل الفني.
ويعتمد الفنانون، مثل الصحافيين، على حقوق الملكية الفكرية كمصدر رئيسي للدخل. ولعل المثال الأبرز على ذلك هو الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، التي أصبحت صورتها علامة تجارية تظهر على العديد من المنتجات اليومية، مثل مناشف المطبخ والأكواب، بل وصل الأمر إلى إنتاج دمية باربي تحمل صورتها، وإن كان ذلك لفترة قصيرة وأثار جدلاً واسعاً.
وقد حققت هذه المنتجات أرباحاً تفوق بأضعاف ما حصلت عليه كاهلو نفسها خلال حياتها. وفي السياق نفسه، يحاول الفنانون الأقل شهرة الاستفادة من حقوق ملكية أعمالهم عبر ترخيصها للاستخدام التجاري، رغم أن عائداتهم أقل بكثير.
ويثير الذكاء الاصطناعي التوليدي المزيد من القلق والغضب بين الفنانين، فالنماذج اللغوية الضخمة التي تتم تغذيتها بكميات هائلة من الأعمال الفنية تتيح لمولدات الصور إنتاج أي نوع من الصور. ومع انعدام الشفافية وعدم وجود قائمة مرجعية واضحة للمصادر المستخدمة، يصعب إثبات انتهاكات حقوق النشر.
وبدلاً من حماية الفنانين، تتجه الحكومة البريطانية، في محاولة منها لتعزيز مكانتها كمركز تكنولوجي، إلى تخفيف قوانين حقوق النشر القوية، فهي تريد السماح باستخدام الأعمال الفنية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي تلقائياً، ما لم يعترض الفنانون صراحة.
وستكون النتائج كارثية على دخل الفنانين، فقد كشفت دراسة في مجلة «هارفارد بزنس ريفيو» عن انخفاض حاد في دخول الفنانين منذ ظهور مولدات الصور. وأكدت الفنانة كيلي ماكيرنان انهيار دخلها كثيراً بعدما بدأ برنامج ذكاء اصطناعي في إنتاج أعمال تقلد أسلوبها الفني المميز.
ولم يقف الفنانون مكتوفي الأيدي، فقد رفعت ماكيرنان وفنانون آخرون دعاوى قضائية ضد شركات الذكاء الاصطناعي، متهمين إياها باستخدام ملايين الصور دون إذن أصحابها، لكن هذه القضايا تسير ببطء في المحاكم الأمريكية والبريطانية، نظراً لتعقيدها وكونها سابقة قانونية جديدة.
ومع أن القلق سيستمر حتى تظهر حلول قانونية أو سياسية – وهذا أمر طبيعي في أي صناعة تواجه تغييراً جذرياً – إلا أن التهاون في حماية حقوق النشر قد يفتح باباً خطيراً، فحتى شركات التكنولوجيا نفسها، التي تمتلك الكثير من براءات الاختراع والملكية الفكرية، يجب أن تدرك خطورة التعدي على حقوق الآخرين.