كيف تخطط واشنطن للدفاع عن الدولار؟

أخبار حياة –قبل أربع سنوات، كشف بنك التسويات الدولية – البنك المركزي لمحافظي البنوك المركزية – عن مشروع ابتكاري يحمل اسم «إم بريدج»، ويهدف إلى إنشاء عملة رقمية عبر الحدود تربط بين البنوك المركزية.

قد تعتقد أن هذا غامض. إذا كان الأمر كذلك، فكر مرة أخرى، فالمشروع يرمز إلى معركة أكبر يمكن أن تكون ذات أهمية كبيرة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وبشكل أكثر تحديداً، فإنه في الخريف الماضي، وقبل الانتخابات الأمريكية مباشرة، انسحب بنك التسويات الدولية بشكل غير متوقع من مشروع «إم بريدج»، مما يعني في الواقع تنازله عن السيطرة للصين وبقية البلدان. وقال بنك التسويات الدولية إن هذا يرجع فقط إلى وصوله إلى مرحلة «الحد الأدنى من المنتج القابل للحياة». لكن القليل من يصدق ذلك. وأشار أحد المشاركين إلى أن الأمريكيين طالبوا بوقف المشروع لأنه يشكل تهديداً، موضحاً أن واشنطن كانت تشعر بالقلق من احتمال استخدامه للتهرب من العقوبات الدولارية.

وبينما نفى أجوستين كارستينز، رئيس بنك التسويات الدولية، ذلك علناً، استمرت التكهنات – لأسباب ليس أقلها أن ترامب يسير على مسار الحرب النقدية بشكل لا يمكن إنكاره: فقد كرر على موقع تروث سوشال الشهر الماضي تهديداته بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على البلدان التي تحاول استبدال الدولار الأمريكي العظيم بعملات أو أنظمة مدفوعات جديدة.

لذا يجب على المستثمرين أن يراقبوا ما سيحدث بعد ذلك. ففي حين أن تهديدات ترامب بشأن التعريفات التجارية هي التي احتلت عناوين الأخبار في الآونة الأخيرة، فإن هذه المعركة الأقل وضوحاً حول المال تشكل أهمية بالغة. ففي نهاية المطاف، فإن النظام المالي العالمي القائم على الدولار هو المصدر الحقيقي لقوة الهيمنة الأمريكية اليوم، والذي تريد واشنطن الدفاع عنه.

وعلى الورق، ليس لدى ترامب سبب للقلق. وتظهر البيانات الأخيرة الصادرة عن صندوق النقد الدولي أن الدولار يمثل نحو 58 % من احتياطيات البنك المركزي. وهذا أقل قليلاً مما كان عليه في بداية القرن، ولكن التنويع الأخير شمل في الأغلب عملات أصغر – وليس منافسين مثل اليورو أو الرنمينبي. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن بيانات نظام سويفت تشير إلى أن 49.1 % من جميع المدفوعات كانت بالدولار في العام الماضي، وهو أعلى مستوى منذ 12 عاماً. لكن هناك ثلاثة محاذير حاسمة:

– أولاً، تقوم البنوك المركزية بجمع الذهب بوتيرة مذهلة، حسبما كشف مجلس الذهب العالمي مؤخراً. ويشير ذلك إلى الرغبة في التحوط من تعرضها للدولار النقدي. – ثانياً، قد تكون بيانات سويفت مضللة بعض الشيء نظراً لأن النشاط يتضخم خارج المنصات الغربية. وتقوم الصين ببناء نظام دفع خاص بها بين البنوك عبر الحدود. وهو نظام صغير وبدائي، لكنه يضم 160 عضواً وقفز حجم المعاملات عبره بنسبة 80 % منذ عام 2022.

– ثالثاً، يبدو أن استخدام واشنطن للسلاح المالي يعمل على تغذية – وليس إيقاف – الجهود التي يبذلها الآخرون للخروج ببدائل. ولهذا السبب فإن أهمية «إم بريدج»، إذا كانت هذه الأنابيب الرقمية تعمل بالسرعة وعلى نطاق واسع، فإن هذا من شأنه أن يشكل تحدياً لنظام «المحور» المتمركز في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

فكيف سترد واشنطن إذن؟ يأمل كريس جيانكارلو، رئيس لجنة تداول العقود الآجلة للسلع خلال إدارة ترامب الأولى، أن تستخدم اللجنة الجزرة، أي السياسات التي تجعل استخدام الدولار مقنعاً تماماً لغير الأمريكيين. ويعني ذلك دعم القيم الاقتصادية الجيدة، وتبني المزيد من الابتكار السيبراني. وسيحدد مشروع الدولار الرقمي الذي يشارك في قيادته كيفية القيام بذلك.

وهذا أمر معقول للغاية. لكن يبدو أن ترامب يفكر في استخدام العصى. فخلال الشهر الماضي، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً يحظر استخدام أي عملة رقمية من البنك المركزي في أمريكا، لأنها تهدد استقرار النظام المالي، والخصوصية الفردية، وسيادة الولايات المتحدة.

وبدلاً من ذلك، دافع عن عملة البيتكوين (ناهيك عن أن هذا يُنظر إليه على أنه تحوط بالدولار النقدي). والأهم من ذلك أنه دعم أيضاً نمو العملات المستقرة القانونية والمشروعة المدعومة بالدولار في جميع أنحاء العالم. قد يبدو هذا غريباً، خاصة أن ذلك يتعارض تماماً مع البنك المركزي الأوروبي. ولا شك أن بعض المتهكمين سيرجعون ذلك إلى حقيقة أن هوارد لوتنيك، وزير التجارة، ساعد في بناء عملة التيثر، أكبر عملة موجودة.

ولكن هناك عاملاً آخر أيضاً، حيث يعتقد فريق ترامب أن العملات المستقرة قد تكون سلاحاً سرياً لتشجيع المزيد من الدولرة – وليس التقليل منها. وقال لي أحدهم: «إنه أمر جيد جداً بالنسبة لنا». وذلك لأن العملات المستقرة في القرن الحادي والعشرين – مثل سوق اليورو دولار في القرن العشرين – تتيح إجراء معاملات بالدولار الخارجي خالية من اللوائح التنظيمية الداخلية المرهقة.

وهذا يروق للعديد من الممولين الذين يتصارعون مع المخاطر الجيوسياسية (حتى لو كانت العملات المستقرة، على عكس دولارات اليورو، لا تحقق عوائد). ومن الناحية العملية، لا تزال القيمة السوقية الحالية للعملات المستقرة – نحو 220 مليار دولار – وهي قيمة تافهة مقارنة باليورو دولار، ناهيك عن أسواق رأس المال الأمريكية التي تبلغ قيمتها 6 تريليونات دولار.

عموماً، النقطة الأساسية هي ما يلي: مع استمرار ترامب في محاولة إعادة تشكيل ــ أو تحطيم ــ النظام الجيوسياسي في فترة ما بعد الحرب، فإن التعريفات الجمركية والدبابات ليست هي المهمة فحسب؛ الإجراءات المالية تفعل ذلك أيضاً. فهذه المعارك الناشئة حول العملات الرقمية للبنك المركزي والعملات المستقرة يمكن أن تحتل مركز الصدارة هذا العام، حسبما يتوقع المجلس الأطلسي. البيان

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات