شبح الركود التضخمي يلوح في الأفق ويهز الثقة بالأسواق الأمريكية

أخبار حياة – انخفض مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة 1.7% في ختام تعاملات يوم الجمعة.

والانخفاض الذي يقل عن 2% لا يعد سبباً للقلق في حد ذاته.

إلا أنه كان أكبر انخفاض للسوق منذ إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي تثبيت أسعار الفائدة في ديسمبر، بل إنه حتى أكبر من الانخفاض الذي عانت منه الأسواق عندما غيرت شركة «ديب سيك» السردية السائدة بمشهد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

لقد ترك انخفاض السوق انطباعاً سلبياً قوياً، ففي نهاية يوم التداول، كانت أسهم السلع الاستهلاكية الأساسية هي الوحيدة التي سجلت ارتفاعاً.

وعلى عكس التراجع الذي حدث بعد أن خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، أو الصدمة التي أحدثتها شركة «ديب سيك» في قطاع الذكاء الاصطناعي، لم يكن هناك سبب واضح ومحدد لهذا الانخفاض.

فقد جاء نتيجة تراكم مجموعة بيانات اقتصادية تراوحت بين المتوسطة والسلبية.

وأظهرت القراءات الأولية لمؤشر مديري المشتريات أن قطاع الأعمال في الولايات المتحدة يقترب من الركود، حيث انكمش قطاع الخدمات للمرة الأولى منذ أكثر من عامين، ما كان له تأثير معاكس للتحسن الطفيف لقطاع التصنيع، الذي قد لا يدوم مع تراجع الطلبات الجديدة وانخفاض الصادرات.

كما شهد الأسبوع بيانات سلبية في قطاع الإسكان، حيث انخفضت بشكل كبير أعداد المساكن الجديدة التي بدأ بناؤها ومبيعات المنازل القائمة، كما تراجعت طلبات الرهن العقاري لكن بنسبة أقل.

كذلك جاءت نتائج استطلاع جامعة ميشيغن لثقة المستهلك سلبية للغاية. فقد انخفضت القراءة الرئيسية بنسبة 9 بالمئة، وهو الانخفاض الثاني على التوالي وأكبر انخفاض منذ سلسلة قراءات التضخم المرتفعة في أبريل الماضي. وكان الانخفاض واسع النطاق، حيث غطى كل المؤشرات وجميع الفئات العمرية وشرائح الدخل ومستويات الثروة.

وتشير البيانات مجتمعة -انخفاض ثقة المستهلك، وتراجع سوق الإسكان، وانكماش النشاط التجاري-، إلى أن الاقتصاد الأمريكي النشط قد يتباطأ بوتيرة أسرع مما كان يعتقد سابقاً، ويتناقض ذلك مع توقعات النمو القوي من جانب العديد من المحللين نتيجة سياسات ترامب الاقتصادية.

وجاء رد فعل السوق بمثابة دعوة للبدء بتصحيح المراكز الاستثمارية. ويبدو أن ردة فعل السوق يوم الجمعة تشي بأن المستثمرين بدأوا في التراجع عن هذه التوقعات.

ورغم أن تباطؤ النمو ليس خبراً ساراً، إلا أنه يحمل جانباً إيجابياً، إذ قد يساعد في خفض التضخم، الذي لا يزال أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي، وذلك من خلال إضعاف القوة الشرائية وتباطؤ النشاط التجاري. وهذا يفسر تراجع مؤشر التضخم المتعادل، وهو مقياس رئيسي لتوقعات التضخم المستقبلية، عبر مختلف الآجال.

من ناحية أخرى، هناك احتمال أن تكون استجابة السوق ناتجة عن قلق المستثمرين من سيناريو أسوأ بكثير: وهو «الركود التضخمي». وكانت هناك مخاوف بشأن تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار كامنة في البيانات الاقتصادية للأسبوع الماضي. وأشار المصنعون الذين استجابوا لمسح مؤشر مديري المشتريات في هذا السياق إلى ارتفاع تكاليف المواد الخام، وألقى معظمهم باللوم على «الرسوم الجمركية وزيادات الأسعار التي فرضها الموردون»، وفقاً لما جاء في التقرير.

وكشف استطلاع جامعة ميشيغن لثقة المستهلك عن تصاعد المخاوف بشأن تأثير الرسوم التجارية على أسعار سلة المستهلك (السلع والخدمات اليومية). وسجل مؤشر ظروف شراء السلع المعمرة انخفاضاً حاداً بنسبة 19%، وهو ما عزته جوان هسو، المسؤولة عن المسح، إلى القلق من زيادات وشيكة في الأسعار بسبب التعريفات الجمركية. كما ارتفعت توقعات التضخم على المدى القصير والطويل عبر مختلف الفئات العمرية ومستويات الدخل، رغم أنها سجلت تراجعاً طفيفاً بين الجمهوريين، في حين ارتفعت بين المستقلين والديمقراطيين.

أما على صعيد سوق العمل، فإن الوضع الحالي لا يزال جيداً نسبياً، إلا أن المؤشرات تشير إلى احتمالية تدهوره مستقبلاً. فقد ارتفع عدد المواطنين الأمريكيين المتقدمين بطلبات للحصول على إعانات البطالة بشكل طفيف خلال الأسبوع الماضي، ما يتماشى مع نمط متقلب شهدته هذه البيانات في الفترة الأخيرة.

ولا تزال الآثار الكاملة لتقليص الوظائف في القطاع الفيدرالي، بإشراف إيلون ماسك وفريقه، غير واضحة في الإحصاءات الرسمية. ويقدر تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في مجموعة أبولو، أن هذا التقليص قد يضيف مليون شخص إلى سوق العمل، ما يرفع البطالة بنسبة 15%. ويرى أنه سيكون لذلك تداعيات محتملة على أسعار الفائدة، والأسهم، وأسواق الائتمان، وهو ما قد يفاقم تباطؤ النمو الاقتصادي.

ويبدو أن أسواق المال لم تستوعب بعد تأثيرات مقترحات التعريفات الجمركية لترامب أو إجراءات فريق ايلون ماسك، وسط ضبابية حول تنفيذها ونطاقها. كما لا تزال آثار تخفيضات القطاع الحكومي التي يشرف عليها ماسك غير واضحة، لكن إذا اجتمع تباطؤ النمو، وارتفاع التضخم، وزيادة البطالة، ودخل الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود تضخمي، فستواجه الأسواق اضطرابات كبيرة.

وكما أشرنا سابقاً بعد اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في يناير، فإن السياسة النقدية تلعب دوراً ثانوياً في المشهد الحالي، بينما تكمن المخاطر الأساسية في السياسة المالية. ويبقى السؤال: هل يمكن أن يؤدي رد فعل قوي من الأسواق إلى كبح جماح الرئيس ترامب؟ وقد يكون هذا هو العامل الذي تترقبه الأسواق عن كثب. البيان

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات