أنوار وسط العتمة.. مبادرات شعبية لإضاءة أحياء غزة في رمضان

أخبار حياة –مع الظلام الدامس الذي فرضه العدوان الإسرائيلي والحصار المشدد على قطاع غزة، برزت مبادرات شعبية تجسد روح التضامن والتكاتف بين أبناء القطاع، لا سيما مع حلول شهر رمضان المبارك. ففي الوقت الذي تعاني فيه أحياء غزة من انقطاع مستمر للكهرباء وانهيار البنية التحتية، أطلق مواطنون ومتطوعون مبادرات مجتمعية تهدف إلى إنارة الشوارع والأحياء، لتمنح السكان بصيصًا من الأمل وسط الظروف القاسية.

ورغم وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي، بعد أكثر من 15 شهرًا من حرب الإبادة، لا تزال معاناة المواطنين من غياب مصادر الطاقة الكهربائية واحدة من أهم المشكلات والأزمات التي يعاني منها جميع سكان القطاع.

فعلاوة على تدمير الاحتلال لأجزاء كبيرة من شبكات التيار الكهربائي في قطاع غزة، وقطع مصادر الطاقة الواردة من الداخل المحتل، ومنع محطة التوليد الوحيدة في قطاع غزة من العودة للعمل من خلال عدم إدخال قطع الغيار والوقود الخاص بها بشكل منتظم، يمنع الاحتلال إدخال بدائل الطاقة المتمثلة بألواح الطاقة الشمسية ومستلزماتها والبطاريات ومواتير توليد الكهرباء وقطع غيارها.

هذه الحالة علاوة على الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي تسببها، أصبحت عبئا نفسياً يلاحق سكان غزة المنهكين بكثير من الأزمات التي كانت موجودة قبل العدوان الصهيوني وتفاقمت بشكل كبير وتعددت أكثر بعده، وجعل القطاع يغرق في عتمة غير مسبوقة بمجرد حلول ساعات المساء، وهو ما حذا بقطاعات شعبية ومؤسسات محلية للنهوض ومحاولة صناعة أمل جديد من خلال مبادرات لإنارة شوارع رئيسية وأحياء متضررة.

صناعة أمل ولفت نظر

جمعية نور المعرفة الخيرية والناشطة في مخيم النصيرات وخاصة في شماله الغربي “المخيم الجديد”، الذي تعرض لتدمير كبير، كانت واحدة من المؤسسات التي بادرت بالتعاون مع بلدية النصيرات والمجموع الشعبي في المخيم وأصحاب مشاريع خاصة، إلى تمديد شبكة كهربائية لإضاءة الشارع الرئيسي للمخيم، وخاصة خلال شهر رمضان المبارك.

رئيس الجمعية عبد الجليل غراب، يرى أن المبادرة تهدف إلى محاولة صناعة الأمل في نفوس الناس التي أنهكت بفعل الحرب على غزة، ونشر الحيوية في المخيم الجديد الذي تعرض لعدوان شرس أتى على أجزاء واسعة منه.

وبين، في تصريح خاص لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“، أن المبادرة يمكن أن تساهم في تفريغ الضغوط النفسية التي تعرض لها السكان، من خلال نشر النور والاستئناس بالإضاءة خاصة خلال ليالي شهر رمضان، التي يتحرك الناس فيها من أجل صلاة التراويح، والتزاور والتراحم.

ويرى أن مبادرة مؤسسته وغيرها هي محاولة للفت الأنظار أن الناس في قطاع غزة بحاجة للمساعدات والطعام والشراب، لكنه أيضاً بحاجة لأشياء حيوية أخرى وفي مقدمتها الكهرباء، خاصة مع محاولات استئناف العملية التعليمية، وحاجة البيوت للإنارة من أجل تعليم الأبناء ومتابعة عملية تعليمهم التي تعرضت لانتكاسة كبيرة بفعل الانقطاع لأكثر من عام ونصف.

وقال إن هذه المبادرات ترسل رسالة للعالم أننا شعب يحب الحياة والسلام والاستقرار، ويبحث عن صناعة الأمل ومواصلة الحياة بإرادة وعزيمة جبارة رغم الدمار والعدوان الذي دمر كل مناحي الحياة.

مبادرات أخرى

ولم تكن مبادرة “نور المعرفة” الأولى داخل مخيم النصيرات، ففي بداية شهر فبراير الجاري ومع الأيام الأولى لوقف إطلاق النار بادرت بلدية النصيرات وسط قطاع غزة، وبجهود ذاتية، إلى إنارة شارع المخيم الرئيس، من شارع صلاح الدين وصولاً إلى منطقة السوق.

وقالت البلدية في حينه، إن هذا العمل يأتي في إطار الجهود المبذولة للتخفيف عن السكان، والمساهمة في تسهيل الحركة والتنقل.

وفي مبادرة أخرى بعدها بعدة أيام، بادر صاحب محطة “البربراوي” للبترول وبالتعاون مع بلدية النصيرات، إلى إنارة شارع العشرين الواقع وسط المخيم والذي يربط شارع النصيرات الرئيس بشارع الأمل جنوب المخيم.

أزمات مركبة يفاقمها الاحتلال

صحيح أن هذه المبادرات قد تشعل نور الأمل في نفوس الناس، وخاصة مع حلول شهر رمضان المبارك، إلا أنها ليست حلال للأزمة الإنسانية الكبيرة التي يخلفها غياب الكهرباء وبدائلها بشكل كامل عن قطاع غزة.

فتعطيل الاحتلال تنفيذ البروتوكول الإنساني لاتفاق وقف إطلاق النار زاد الطين بلة وفاقم أزمات غزة الإنسانية، وواحدة منها أزمة الكهرباء، التي تحتاج إلى كثير من العمل والمعدات والمستلزمات من أجل إعادة تأهيل الشبكة علاوة على إعادة وصل التيار الكهربائي وتوفيره من مصادر مختلفة.

فقد قدرت شركة توزبع كهرباء غزة خسائر الأولية بنحو 450 مليون دولار، نتيجة الدمار الكبير الذي تعرضت له الشبكات الكهربائية بسبب الحرب على قطاع غزة.

وأكدت الشركة، في تصريحات صحفية مختلفة، أن إعادة بناء وتأهيل القطاع تتطلب تمويلًا عاجلًا ووقتًا وجهودًا ضخمة، وذلك في ظل حاجتها الملحة إلى مواد وأجهزة صيانة لتتمكن من استئناف تقديم خدمات الكهرباء للمرافق الحيوية في القطاع.

وقالت إنها رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ إلا أنها لم تتلق أيًا من المواد التي أعلنت عنها، ما يضع تحديات كبيرة أمام فرقها الفنية في توفير الكهرباء للمرافق الأساسية.

ودعت الشركة المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لتأمين دخول المواد اللازمة لقطاع الكهرباء، مؤكدًا أن هذا التدخل ضروري لدعم جهود إعادة الإعمار وحماية حياة 2.5 مليون مواطن يعانون من أزمة الكهرباء في القطاع.

ورغم هذا الواقع الصعب، تبقى إرادة الحياة لدى الشعب الفلسطيني أقوى من إرادة الاحتلال الذي حاول جعل بيئة غزة غير صالحة للسكن وطاردة لأهلها الذين صمدوا وصبروا وقدموا تضحيات غير مسبوقة، واليوم يحاولون صناعة المستحيل بإصرارهم على الحياة وصناعتها من العدم في غزة المدمرة الحزينة التي كثرت جراحها وتعاظمت آلامها.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات