الصحافة المجندة.. اليمين المتطرف يعيد هندسة الإعلام الإسرائيلي

أخبار حياة – تعمل سلطات الاحتلال على هندسة وعي الإسرائيليين، والسعي لتدشين المزيد من القنوات اليمينية لإعادة صياغة المنظومة الإعلامية الإسرائيلية بما يخدم خطاب اليمين السياسي، ويعزز حضور المرجعيات التوراتية المتطرفة.

ويقول الكاتب والباحث السياسي د. صالح النعامي، إن الائتلاف اليميني الحاكم منح القناة 14 الحق في بث برامجها عبر منصة بلاس الرقمية سنة إضافية أخرى، وإعفائها من دفع الاستحقاقات المالية المطلوبة منها مقابل هذه الخدمة، في خطوة تعكس توجهاً لتكريس منظومة إعلامية، تعمل على هندسة وعي الإسرائيليين وفق توجهات اليمين المتطرف

ويبين في مقال نشرته صحيفة العربي الجديد، أن موقع العين السابعة، الذي يعنى بمتابعة شؤون قضايا الإعلام في إسرائيل، تحدث عن تشريع جديد للكنيست يمنح الأفضلية للقناة 14، ويعفيها من دفع ما تراكم عليها من مستحقات مالية لحكومة الاحتلال بفعل عدم تسديدها الرسوم في الفترات السابقة.

وأطلق الموقع الإسرائيلي على القانون اسم “قانون الرشوة الصغيرة”، في إشارة إلى أن الائتلاف الحاكم من خلال هذه المزايا يهدف إلى تشجيع القناة 14 على مواصلة اتجاهات تغطيتها الإعلامية، ولا سيما تبني سردية قوى اليمين المتطرف. 

وبحسب تقرير نشره الصحافي شالوم يروشالمي في موقع “زمان يسرائيل” فإن التشريع الجديد سيضيف 150 ألف مشاهد جديد إلى قائمة مشاهدي القناة.

تحرير الإعلام بمسوغات فقهية

ويقول النعامي، إن وزير الاتصالات الليكودي شلومو كرعي، المفوض بحكم منصبه بتنظيم قطاع الإعلام الإسرائيلي، يعد المسؤول المباشر عن منح القناة 14 المزايا، بالتنسيق مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

ويوضح أنه منذ تولي كرعي منصبه الوزاري قبل عامين ونصف العام أوضح بشكل لا يقبل التأويل أنه عازم على إعادة تنظيم قطاع الإعلام في إسرائيل بما يخدم خطاب اليمين الإسرائيلي، بزعم أن الإعلام واقع تحت تأثير “النخب اليسارية”.

وأشار النعامي إلى أن كرعي لم يكتف بالعمل على منح مزايا تفضيلية للقناة 14، بل يسعى بكل قوة إلى تكريس سياقات تسمح بصعود المزيد من القنوات ذات التوجه اليميني. 

وفي تقرير نشره في موقع زمان يسرائيل لفت الباحث بنحاس عنبري إلى أن التمهيد لتدشين المزيد من القنوات التلفزيونية اليمينية يقف وراء إعلان كرعي خطتَه لإغلاق سلطة البث الرسمية.

ويجزم عنبري أن كرعي لا يسعى إلى إعادة صياغة المنظومة الإعلامية من أجل خدمة خطاب اليمين السياسي فقط؛ بل أيضاً امتثالاً لتعليمات مرجعيات دينية ترى وجوب توظيف الإعلام في تسويق المسوغات “الفقهية” التي تشرع تهجير الفلسطينيين.

ويلفت النعامي إلى أن عنبري يعيد إلى الأنظار حقيقة أن الوزير كرعي يجاهر بأنه يرى في الحاخام مئيرمزوز مرجعيته الدينية الوحيدة، لافتاً إلى أن مزوز معروف بحماسه لأفكار الحاخام مئير كهانا الذي أسس حركة “كاخ”، أواخر سبعينيات القرن الماضي، والتي كانت أول حركة سياسية في إسرائيل، تطالب علناً بتهجير الفلسطينيين.

وبحسب عنبري، فإن هذا يفسر حقيقة أن مزوز يعد أيضاً الأب الروحي لحركة “القوة اليهودية” التي يتزعمها وزير الأمن القومي السابق إيتمار بن غفير الذي يدعو أيضاً إلى تهجير الفلسطينيين.

الصحافة المجندة

ويقول إن المزايا التي تمنح للقناة 14 لا تقتصر على الجانب المادي، بل تتمثل أيضاً في حقيقة أن هذه القناة هي الوحيدة التي يوافق نتنياهو على إجراء مقابلات معها، في حين يقاطع كل القنوات المحلية الأخرى.

ويضيف النعامي أن احتفاء حكومة نتنياهو بالقناة 14 يرجع بشكل خاص إلى حماسها منقطع النظير إلى حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال في قطاع غزة.

ويوضح أن صحيفة هآرتس نقلت في عددها الصادر في 24 سبتمبر/ أيلول الماضي عن ثلاث منظمات حقوقية إسرائيلية، أن القناة 14 دعت منذ بداية الحرب 50 مرة إلى إبادة الفلسطينيين و150 مرة إلى ارتكاب جرائم حرب منذ بداية العدوان على قطاع غزة.

ويلفت النعامي إلى أن حكومة الاحتلال لا تتردد في معاقبة وسائل الإعلام التي تتحدى سرديتها، حيث كانت قد قررت التوقف عن نشر إعلانات في صحيفة هآرتس في أعقاب محاضرة ألقاها مالك الصحيفة عاموس شوكين في لندن قبل شهرين، اعتبر فيها مقاتلي المقاومة الفلسطينية أنهم “مقاتلون من أجل الحرية”.

ويضيف أن الواقع أدى إلى دفع القنوات التجارية إلى تبني خط على صعيد التغطية والتحرير ينسجم مع توجهات الخطاب الإعلامي للحكومة اليمينية المتطرفة، مستشهداً بما قاله الكاتب عيدو دفيد كوهين ن أن قنوات التلفزة الإسرائيلية باتت “نسخة كبيرة” من القناة 14، من حيث جوهر تغطيتها لمسار الحرب على غزة واستماتتها في الدفاع عن الرواية الحكومية وتجاهلها المتعمد الفظائعَ التي يرتكبها جيش الاحتلال.

ويلفت النعامي إلى مشاركة صحفيين إسرائيليين في مهمات عسكرية لجيش الاحتلال في عدوانه على لبنان، حيث وثق  أحد مقدمي البرامج الحوارية في القناة 12 نفسه وهو يفجر منزلاً في جنوبي لبنان برفقة لواء جولاني، في خطوة تظهر تنافس القنوات الإسرائيلية على دغدغة غرائز الانتقام لدى جمهور المشاهدين الإسرائيليين.

ويؤكد الخبير الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية أن هذا الواقع أفضى إلى تكريس نمط الصحافة المجندة، التي تعمل على على تضليل الجمهور من خلال سعيها لتبييض صورة حكومة الاحتلال.

خطاب كراهية

ووفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان في أكتوبر 2024، فقد شهدت خطابات الكراهية ارتفاعاً في الخطاب العام الإسرائيلي بشكل عام منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقد ظهرت هذه الخطابات في وسائل إعلام أخرى. 

وقالت إن القناة 14، قناة تلفزيونية قومية متطرفة مدعومة من الحكومة تتحول بسرعة إلى واحدة من أكثر مصادر الأخبار مشاهدة في إسرائيل، حيث تحرض على ارتكاب جرائم حرب، وتثير الكراهية ضد جنرالات الجيش لعدم ميلهم إلى اليمين بما فيه الكفاية.

وتقول أيالا بانيفسكي، زميلة الرئاسة في قسم الصحافة في جامعة سيتي سانت جورج في لندن: “إن الأمر غريب للغاية، لأن الإسرائيليين يستهلكون قدراً كبيراً من الأخبار من خلال القنوات التلفزيونية الكبرى، 12 و13، وبدرجة أقل من خلال هيئة البث العامة، ولكن القناة 14 لم تكن حتى في اللعبة حتى وقت قريب جداً. ويبدو أن الحرب ساعدت هذه القناة على الاستفادة من تأثير التجمع حول العلم ووقت صعود القومية لكسب المزيد من الدعم”.

ويشار إلى أن القناة 14 مملوكة لرجل الأعمال الروسي المولد يتسحاق ميريلاشفيلي، الذي نشأ في إسرائيل وشارك في تأسيس منصة التواصل الاجتماعي الروسية “فكونتاكتي”. وبدأت القناة كمشروع تلفزيوني يحمل اسم القناة 20 متخصصة تغطي قضايا “التراث”، ولكن بدعم من نتنياهو، أقر الكنيست تعديلاً في فبراير 2018 يسمح لها بالبث باسم القناة 14 وتحديد نفسها كقناة إخبارية.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات