أخبار حياة – وسط الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب الإسرائيلية على غزة، يواجه السكان معاناة روحية غير مسبوقة مع حلول شهر رمضان المبارك، حيث أصبح أداء الشعائر الدينية، وخاصة الصلوات الجماعية والتراويح، أمرًا بالغ الصعوبة.
فمع تدمير الاحتلال أكثر من 1109 مساجد بين تمير كلي وجزئي باتت أحياء كاملة في القطاع محرومة من المساجد، مما اضطر الأهالي للجوء إلى حلول بديلة مثل إقامة الصلوات في الشوارع أو داخل الخيام في مناطق الإيواء.
“لا صوت للأذان”.. رمضان في غزة بلا مآذن
وأكد إكرامي المدلل، مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة الأوقاف، في تصريحات صحفية، أن الدمار الذي طال المساجد انعكس بشكل كبير على أجواء الشهر الكريم، حيث إن عددًا كبيرًا من الأهالي لم يعد يسمع صوت الأذان بسبب فقدان المآذن وأجهزة الصوت، مما اضطرهم إلى تقدير مواعيد الإفطار والسحور بأنفسهم، في ظل غياب البنية التحتية.
وأضاف أن الاحتلال تعمّد قصف المساجد بشكل مباشر، ما أدى إلى فقدان أماكن العبادة، وتعطيل برامج العبادة الجماعية مثل التراويح، وقيام الليل، والإفطارات الجماعية، التي كانت جزءًا أساسيًا من الأجواء الروحانية الرمضانية.
ووفق وزارة الأوقاف؛ استهدفت صواريخ وقنابل الاحتلال (1109) مسجدًا تدميرًا كليًا أو جزئيًا، من أصل (1244) مسجدًا في قطاع غزة بما نسبته (89%)، حيث بلغ عدد المساجد المدمرة كليًا (834) مسجدًا سويت بالأرض وتحولت إلى أنقاض، وتضرر (275) مسجدًا بأضرار جزئية بليغة مما جعلها غير صالحة للاستخدام، ما أثر بشكل مباشر على أداء الشعائر الدينية وإقامة الصلوات.
الأثر النفسي والاجتماعي لغياب المساجد
يشعر سكان غزة بأن فقدان المساجد لا يعني فقط غياب أماكن العبادة، بل حرمان المجتمع من أحد أهم مراكز التجمع الروحي والاجتماعي.
فقد كانت المساجد ملاذًا للناس في الأوقات الصعبة، ومكانًا لتعزيز الروابط المجتمعية عبر حلقات الذكر وتحفيظ القرآن والإفطارات الجماعية.
واليوم، ومع اختفاء هذه المظاهر، يعيش السكان حالة من العزلة الروحية والافتقاد للأجواء الإيمانية التي اعتادوا عليها.
مصليات مؤقتة بلا كهرباء ولا وضوء
وفي محاولة للتخفيف من الأزمة، أوضح المدلل أن الوزارة تمكنت من إقامة بعض المصليات المؤقتة باستخدام الخيام والأخشاب المتاحة، خاصة في مخيمات الإيواء، إلا أن هذه المصليات تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل أماكن الوضوء، والإنارة، والمياه الصالحة للاستخدام.
وأشار إلى أن عددًا كبيرًا من المناطق السكنية بات يخلو تمامًا من المساجد، مما جعل إقامة أماكن بديلة للصلاة أمرًا في غاية الصعوبة، في ظل نقص المعدات وغياب الكهرباء واستمرار العدوان.
“استهداف ممنهج”.. محو الهوية الدينية لغزة
وأشار المدلل إلى أن استهداف المساجد لم يكن مجرد أضرار جانبية للحرب، بل يأتي ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى محو الهوية الدينية لغزة وزيادة معاناة السكان.
ونبه إلى أن القطاع يفتقر حاليًا إلى أجهزة الصوت لرفع الأذان، وحتى المآذن المتبقية لا تعمل بسبب انقطاع الكهرباء، مضيفًا أن الأوضاع الجوية الصعبة تزيد من تعقيد جهود إنشاء مصليات مؤقتة مناسبة.
“الأذان لن يغيب”.. رسالة صمود من غزة
ورغم كل هذه التحديات، يؤكد سكان غزة أن الأذان لن يُمحى من ذاكرتهم، وسيبقى حاضرًا في قلوبهم وأرواحهم حتى لو غابت المآذن. ففي كل صلاة تُقام في الشوارع، أو داخل خيمة صغيرة، هناك رسالة واضحة: “مهما دُمّرت مساجدنا، سيبقى إيماننا أقوى من الحرب”.