ملاك الصبرة.. طفلة نجت من القصف ولم تنج من الفقد

أخبار حياة – في الشهر الأول للحرب على غزة، هزّت غارة إسرائيلية مربعًا سكنيًّا في حي الصبرة، ناثرة الدمار والموت في كل زاوية. وسط الركام، قُذفت طفلة صغيرة بقوة الانفجار نحو شجرة، لتنجو وحدها بينما أُبيدت عائلتها بالكامل تحت الأنقاض. لم يعرف أحد هويتها، ولم يكن هناك من يبحث عنها.

اليوم، بعد 17 شهرًا من الإبادة المستمرة، كبرت الطفلة في أحضان الممرضة أمل الختلة احتضنتها ومنحتها اسمًا يعكس صمودها: “ملاك الصبرة”. قصة هذه الطفلة ليست سوى واحدة من مئات القصص التي تمثل معاناة الأطفال الذين فصلتهم الحرب عن ذويهم، تاركة وراءها جروحًا لا تندمل وأقدارًا معلقة بين الموت والحياة.

تستذكر الممرضة أمل تفاصيل صباح يوم السابع من أكتوبر 2023، عندما كانت تستعد للذهاب إلى النادي الرياضي، لكنها لم تكن تعلم أن هذا الصباح سيغير حياتها إلى الأبد. دوَّت أصوات الانفجارات من كل مكان، معلنة بداية حرب ضارية على قطاع غزة.

مع اشتداد القصف وتزايد أعداد الشهداء والمصابين، سارعت أمل، الحكيمة في مستشفى الهلال الإماراتي برفح، إلى مكان عملها، لتبدأ ساعات طويلة من العمل المستمر وسط نقص حاد في المعدات الطبية والكهرباء.

طفلة ناجية وسط مجزرة

لكن في خضم هذه المأساة، ولدت قصة أخرى من رحم الألم. قصة طفلة رضيعة، لم يتجاوز عمرها الشهر، عُثر عليها معجزةً حية، معلقة على غصن شجرة، بعد أن دمرت طائرات الاحتلال منزلها في منطقة الصبرة، وقتلت جميع أفراد أسرتها.

تتذكر أمل بداية الحكاية، في 19 نوفمبر 2023، عندما تلقت المستشفى نبأً عاجلًا: سيتم نقل 30 طفلًا حديثي الولادة من مستشفى الشفاء بعد محاصرته وخروجه عن الخدمة. كان عليها وزملائها تجهيز الحاضنة لاستقبال الأطفال. ضمن هؤلاء كانت طفلة كتب على يدها الصغيرة: “طفلة مجهولة الهوية ناجية من مجزرة في منطقة الصبرة”، كما تروي أمل في شهادتها التي نشرها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

تعلق قلب أمل بالطفلة تحاول معرفة أي شيء عن أقاربها، دون جدوى. فقد اختفت العائلات، كما اختفى آلاف الأشخاص الآخرين الذين باتوا في عداد المفقودين، إما تحت الأنقاض أو مجهولي المصير بفعل التهجير القسري والدمار الهائل.

ملاك الصبرة

منذ اللحظة التي وقعت عينا أمل على الطفلة الناجية، شعرت بأنها مسؤولة عن هذه الحياة الصغيرة التي تركتها الحرب وحيدة. أطلقت عليها اسم “ملاك الصبرة”، وصارت أماً لها دون أن تخطط لذلك، تمنحها الرعاية والحنان وسط الدمار والموت الذي يحيط بهما من كل جانب.

مع مرور الأيام، رفضت وزارة الصحة السماح لأي جهة بتبني الطفلة، وأصرت على الاحتفاظ بها حتى نهاية الحرب. لكن عندما بدأت تهديدات الاحتلال باجتياح رفح، اضطرت الوزارة لاتخاذ قرار بشأن الأطفال المتبقين في المستشفى. في 24 يناير 2024، وبعد أن أدرك وكيل الوزارة مدى تعلق أمل بالطفلة، سمح لها بأخذها إلى منزلها. منذ ذلك اليوم، أصبحت ملاك فردًا من العائلة، تحيطها أمل بكل الحب والرعاية.

مع اشتداد العدوان، اضطرّت أمل للنزوح إلى دير البلح، حيث استقرت مع أختها، التي ساعدتها في رعاية ملاك. هناك، بدأت الطفلة تندمج مع الأطفال الآخرين، وأصبحت تنادي أمل بـ”ماما”، وكأنها لم تعرف في الحياة أمًا غيرها.

اليوم، وبعد انتهاء الحرب، لا تزال قصة ملاك شاهدة على المأساة الكبرى التي خلفها العدوان، حيث آلاف الأطفال فقدوا عائلاتهم، وآلاف آخرون لا يزالون في عداد المفقودين. دُمرت السجلات المدنية، وفُقدت وثائق الهوية، مما جعل التعرف على الناجين تحديًا هائلًا.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات