في مدينة الألعاب الوهمية

هبة الحبش

في مدينتنا، مدينة الحياة الإفتراضية حيث تتلاشى الحدود بين الواقع والخيال، تقبعُ مدينةٌ للألعاب الوهمية! تتوسط قلب مديتنا؛ التي نسكنها مع عائلاتنا، بينما أطفالنا يعيشون في عالمٍ آخر! عالم موازٍ، يسود فيه شاشات تعمل باللمس، ويحكمه نظام الألعاب الرقمية تحت قوانين إلكترونية تُفرض على أطفالنا بلمسة واحد هي “تحميل” أو “Download” للتطبيق، ليبدأ دخول ذلك العالم الرقمي المريب!

هناك؛ في ذلك العالم الوهمي المظلم، تتحول الألعاب إلى واقع، والواقع يصبح جريمة وربما جرائم!

صرخةٌ من عالم الظلام الرقمي؛ من أحد أزقة مدينة الألعاب المفقودة، جريمةٌ بشعة وقعت، كان ضحيتها طفل صغير يعيش بيننا ويمارس حياته كأي طفل عادي، طفل حقيقي لم يستطع مقاومة النيران التي أشعلها أقرانه البشريين في جسده، حتّى لم يرف لهم جفنٌ برؤيته يشتعل أمامهم، بل على العكس كانوا يستمتعون برائحة جلده الذي يحترق، الذي زاد من تحجر قلوبهم عندما تعالت أصوات ضحكاتهم على آهاته، ولماذا العجب! إذا كانت عقولهم ليست سوى انعكاسات مبرمجة على العنف والتعذيب لأشعة شاشات الأجهزة الإلكترونية وألعاب رقمية.

أطفال مدينة الألعاب الوهمية ليسوا سوى دمى رقمية متحركةٍ بهيئةٍ بشرية، جنودًا في جيش الظلام. فقدوا القدرة على التفكير والتمييز بين الخير والشر، لا يستطيعون التعبيرعن مشاعرهم وأنفسهم إلا بسلسلةٍ من الإنهيارات العصبية اللامحدودة، والانعزال عن العالم الحقيقي بالاعتكاف في مدينتهم الوهمية .
أطفال هذه المدينة ما هم إلا نسخ مشوهة من شخصيات تطبيقات الألعاب التي يحملونها على أجهزتهم.

ويسيطير على سماء مدينتنا سحابةٌ أعتمت قلبها كوحشٌ ذو ألف وجه، متعدد اللهجات والصور ويتلون مع كل الأعمار، هو “إدمان الألعاب الإلكترونية”، الذي تسلل إلى عقول أطفالنا وسلب منهم برائتهم وحولهم إلى كائنات عدوانية لا تعرف الرحمة .
حادثة الطفل الذي تعرض للحرق من قِبل أقرانه، والضحكِ عليه دون أن تتحرك أيُّ مشاعر إنسانية، هي مثالٌ مُروع على الآثار السلبية لإدمان الألعاب الإلكترونية. هذه الألعاب، التي غالباً ما تتضمن مشاهد عنف وقتال، تبلدت فيها فطرة الإحساس لدى الأطفال، وجعلتهم أشخاص رقميين غير قادرين على التعاطف مع الآخرين.
في تلك الغرفة المظلمة، حيث انمزجت صرخات الطفل المكتومة مع ضحِكاتِ الأطفال الذين انغمسوا وراء أنوار الشاشات الخافتة التي تضيء وجوههم القاتمة، كانت تتجول روحٌ حائرة، روح طفل فقد بريق عينيه، لكنه لم يفقد الأمل بعد. هذه الروح تحمل رسالة، همسة عتاب، وصرخة استغاثة إلى كل أب وأم، إلى كل مربٍ ومعلم.
يا من ساعدتم على عيش الحياة الإفتراضية لا تظنوا أن الشاشات هي الحل، ولا تتركوا أبناءكم فريسةً لعالمٍ وهمي يسرق منهم طفولتهم. لا تظنوا أن الصمت هو الأمان، ففي صمتهم صرخات مدوية، وفي عيونهم دموع لا تُرى.
كونوا حاضرين، ليس بأجسادكم فقط، بل بقلوبكم وعقولكم. استمعوا إلى همساتهم، إلى صرخاتهم، إلى صمتهم. شاركوهم أحلامهم، مخاوفهم، وآمالهم.
لا تجعلوا منازلهم رقمية بل ابنوا لهم حصونًا من حبٍ وأمان. لا تملؤا أيديهم بالأسلحة الإلكترونية، بل املؤأ قلوبهم بالدفء والحنان.
علموهم كيف الوِدُّ يُنبتُ الورود في قلوبهم، وكيف يطردون الظلام من عقولهم. علموهم أن العالم الحقيقي أجمل بكثير من الوهمي ،وأن السعادة الحقيقية تكمن في طاعة الله ورضاه.
يا من تملكون مفاتيح القلوب الصغيرة، لا تتركوا أبناءكم فاقدين للهوية. كونوا لهم سراجاً يضيء دربهم، واليد التي تنتشلهم من الظلمات إلى النور. كونوا لهم القدوة الحسنة التي تذكرهم بالله في كل حين.
يا أيها المربون؛ اجعلوا القرآن رفيقًا لأبنائكم، وعلموهم سنّة نبيهم صلى الله عليه وسلم. اجعلوا الصلاة نورًا في بيوتكم، وذكرُ الله حصنًا لأبنائكم.”
تذكروا قول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة”. فاجعلوا بيوتكم جنة، واجعلوا أبناءكم قرة عين لكم في الدنيا والآخرة.”

هذه همسات من قلب مدينة الألعاب الرقمية، رسالة إلى كل من يملك القدرة على تغيير الواقع الوهمي، على إنقاذ الأجيال القادمة من مخالب الإدمان الإلكتروني .

هبة الحبش – أخصائية في الإرشاد الأسري و الرقمي

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات