إنترنت الأشياء في القطاع الزراعي: هل يمكن أن يساهم في الأمن الغذائي الأردني؟

د. لبنى حنا عماري

يواجه العالم اليوم تحديات متزايدة في تحقيق الأمن الغذائي بسبب عوامل متعددة مثل الزيادة المستمرة في النمو السكاني والتغيرات المناخية التي تلقي بظلالها على الإنتاج الزراعي، فضلًا عن الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تؤدي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد وتقلبات في أسعار المواد الغذائية، وفي الأردن الذي يعاني من شح الموارد الطبيعية وندرة المياه أصبح البحث عن حلول مبتكرة ومستدامة لتعزيز الإنتاج الزراعي أمرًا في غاية الأهمية خاصة في ظل الاعتماد الكبيرعلى الاستيراد لتلبية الاحتياجات الغذائية للسكان وفي هذا السياق تبرز تقنيات إنترنت الأشياء كأحد الحلول التكنولوجية الواعدة التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية في القطاع الزراعي الأردني عبر تحسين الإنتاجية وتقليل الفاقد وتعزيز كفاءة استخدام الموارد الطبيعية بشكل فعال ومستدام.


إنترنت الأشياء (IoT) هو منظومة تقنية تعتمد على ربط الأجهزة الذكية بالإنترنت وتمكينها من جمع البيانات وتحليلها لاتخاذ قرارات أكثر دقة وفعالية، وفي القطاع الزراعي يمكن لهذه التقنية أن تلعب دورًا محوريًا في تحسين الإنتاج الزراعي من خلال توفير بيانات لحظية عن التربة والمياه والمناخ مما يساعد المزارعين على اتخاذ قرارات مبنية على معطيات دقيقة بدلاً من الاعتماد على التقديرات التقليدية التي قد تؤدي إلى إهدار الموارد وتقليل الإنتاجية وفي الأردن حيث تمثل ندرة المياه تحديًا رئيسيًا للقطاع الزراعي يمكن لإنترنت الأشياء أن يسهم في تطوير أنظمة ري ذكية تعتمد على أجهزة استشعار متصلة بالإنترنت تعمل على قياس مستوى الرطوبة في التربة وكمية المياه التي تحتاجها النباتات بدقة متناهية مما يساعد في ترشيد استهلاك المياه وتقليل الهدر كما يمكن لهذه الأنظمة أن تتكامل مع البيانات المناخية لتحديد أفضل أوقات الري وتقليل التبخر مما يزيد من كفاءة استخدام الموارد المائية المحدودة.


تعد البيانات الدقيقة والمحدثة عنصرًا أساسيًا في تطوير الإنتاج الزراعي حيث يمكن لإنترنت الأشياء أن يوفر للمزارعين معلومات آنية حول صحة النباتات ومستوى المغذيات في التربة ونسبة الرطوبة مما يساعد في تحسين جودة المحاصيل وزيادة الإنتاجية ومن خلال تحليل هذه البيانات يمكن اتخاذ قرارات أكثر فاعلية بشأن مواعيد الزراعة والتسميد والحصاد مما يضمن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الموارد المتاحة وتحقيق إنتاج زراعي مستدام يساهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد وتعزيز الأمن الغذائي في الأردن إضافة إلى ذلك فإن استخدام أجهزة الاستشعار والطائرات المسيرة المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في مراقبة المحاصيل والكشف المبكر عن الأمراض والآفات الزراعية حيث يمكن لهذه التقنيات أن ترصد أي تغيرات غير طبيعية في النباتات وترسل تنبيهات فورية للمزارعين لاتخاذ التدابير الوقائية اللازمة مما يقلل من استخدام المبيدات الكيميائية ويحسن جودة المنتجات الزراعية بشكل عام.


ومن المشكلات الكبيرة التي تواجه القطاع الزراعي الأردني هي نسبة الفاقد المرتفعة في الإنتاج الزراعي سواء أثناء الحصاد أو خلال عمليات النقل والتخزين حيث تشير التقديرات إلى أن نسبة كبيرة من المحاصيل الزراعية تتعرض للتلف بسبب التخزين غير المناسب أو النقل في ظروف غير ملائمة يمكن لإنترنت الأشياء أن يسهم في الحد من هذه المشكلة عبر أنظمة مراقبة ذكية تتيح تتبع درجة الحرارة والرطوبة داخل المستودعات ووسائل النقل وتنبيه المزارعين أو الموردين عند حدوث أي تغيرات قد تؤثر على جودة المنتجات الزراعية مما يساهم في تقليل الفاقد وضمان وصول المحاصيل بحالة جيدة إلى الأسواق والمستهلكين.


وفي هذا الإطار يشكل صغار المزارعين نسبة كبيرة من العاملين في القطاع الزراعي الأردني وغالبًا ما يواجهون تحديات تتعلق بضعف الإمكانيات المالية وصعوبة الوصول إلى التقنيات الحديثة يمكن لإنترنت الأشياء أن يكون أداة فعالة لدعم هؤلاء المزارعين من خلال توفير منصات ذكية تعتمد على تحليل البيانات وإرسال التوصيات الفورية حول أفضل الممارسات الزراعية المناسبة لكل منطقة على سبيل المثال يمكن لتطبيقات الهواتف الذكية المرتبطة بإنترنت الأشياء أن تقدم للمزارعين إرشادات حول أنسب الأوقات للزراعة والري والتسميد بناءً على بيانات الطقس ونوعية التربة مما يساعد في تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف التشغيلية إضافة إلى ذلك يمكن لتقنيات إنترنت الأشياء أن تسهم في تحقيق الزراعة المستدامة عبر تقليل استهلاك الموارد الطبيعية وتحسين كفاءة الإنتاج حيث يمكن للمزارعين الاعتماد على أنظمة الري الذكية والطاقة المتجددة لتقليل استهلاك المياه والطاقة مما يسهم في تقليل الأثر البيئي وتعزيز استدامة الزراعة على المدى الطويل.


وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة التي يمكن أن يوفرها إنترنت الأشياء للقطاع الزراعي في الأردن إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي قد تعيق تطبيق هذه التقنيات على نطاق واسع من أبرز هذه التحديات هو ارتفاع تكلفة الأجهزة الذكية وأجهزة الاستشعار والتي قد تشكل عبئًا ماليًا على المزارعين الصغار كما أن توفر البنية التحتية الرقمية اللازمة مثل شبكات الإنترنت عالية السرعة في المناطق الزراعية الريفية لا يزال يشكل تحديًا أمام تبني هذه التقنيات بشكل فعال إضافة إلى ذلك فإن غياب التشريعات والسياسات الداعمة لاستخدام إنترنت الأشياء في القطاع الزراعي يشكل عائقًا أمام انتشاره حيث يتطلب تطبيق هذه التكنولوجيا وجود إطار تنظيمي واضح يضمن حماية البيانات الزراعية ويدعم الاستثمار في التقنيات الحديثة كما أن توعية المزارعين بأهمية هذه التقنيات وكيفية استخدامها بفعالية تعد عاملاً أساسيًا في نجاح إدخال إنترنت الأشياء إلى الزراعة الأردنية.


إن الحاجة إلى تحقيق الأمن الغذائي في الأردن تتطلب تبني حلول مبتكرة تسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتعزيز استدامته ويعد إنترنت الأشياء أحد الأدوات الفعالة التي يمكن أن تساعد في تحقيق هذا الهدف من خلال تحسين كفاءة الإنتاج الزراعي وتقليل الهدر وتعزيز استخدام الموارد الطبيعية بطرق ذكية ومستدامة والأردن الذي يسعى إلى تحقيق التحول الرقمي في مختلف القطاعات لديه فرصة كبيرة للاستفادة من إنترنت الأشياء في الزراعة عبر تطوير سياسات داعمة وتعزيز الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات البحثية لتوفير حلول تقنية متقدمة تساعد المزارعين على زيادة الإنتاجية وضمان استدامة القطاع الزراعي ولكن تحقيق هذا التحول الرقمي في القطاع الزراعي يتطلب تكامل الجهود والاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتوفير الحوافز المالية للمزارعين لاعتماد التقنيات الحديثة بالإضافة إلى نشر التوعية حول أهمية إنترنت الأشياء في تحقيق زراعة أكثر فعالية وكفاءة عندها فقط يمكن أن يصبح الأمن الغذائي في الأردن واقعًا ملموسًا قائمًا على أسس علمية وتقنية قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات

وفاة دهسا في عمان

أخبار حياة – توفي عشريني بحادث دهس، في منطقة دير غبار غرب العاصمة عمان، أمس الثلاثاء. وقالت إدارة السير في تقريرها المروري، إن سبب الحادث

إقرأ المزيد »