أخبار حياة – في غزة، لا تشبه الدقائق الأخيرة قبل الإفطار أي مكان آخر في العالم. هنا، لا تعني لحظات الغروب فقط نهاية يوم صيام طويل، بل هي أيضاً سباق مع الوقت وسط ظروف قاسية، حيث تتداخل أصوات الأذان مع ضجيج المولدات الكهربائية، وأحيانًا مع أصداء القصف البعيد أو القريب، في مشهد يختصر معنى الحياة في ظل الحرب.
في الشوارع: بحث عن القليل وسط العدم
قبل أذان المغرب بساعة، تمتلئ الأسواق المتواضعة بالحركة رغم ندرة البضائع. يقف الباعة على بسطاتهم التي لم تعد تعرض الكثير؛ بعض الخضروات التي استطاعت الصمود في وجه الحصار، أرغفة خبز خرجت للتو من الأفران القليلة التي ما زالت تعمل، وأكواب التمر الهندي أو قمر الدين التي تحاول أن تحافظ على مكانها في المائدة رغم الظروف. الناس يتنقلون بسرعة، يشترون ما تيسر، لكن نظراتهم تحمل همًّا أكبر من مجرد الطعام، فالجميع يدرك أن الإفطار قد يقطعه صوت انفجار أو صاروخ يحوّل اللحظة إلى فاجعة جديدة.
في البيوت: مائدة متواضعة وأمل متجدد
داخل المنازل، تعمل الأمهات بإمكانيات محدودة لإعداد وجبة الإفطار. كل البيوت لا تصلها الكهرباء، فيعتمد السكان على ضوء الشموع أو لمبات الطاقة الشمسية الضعيفة. على الطاولة، لا توجد موائد عامرة كما في الأعوام الماضية، بل مجرد أطباق بسيطة من الأرز أو العدس، وربما طبق صغير من السلطة، وقطع خبز تم توفيرها بشق الأنفس.
يحرص الجميع على الجلوس معًا، حتى وإن كانت هناك مقاعد فارغة تركها الشهداء أو الأسرى أو المفقودون.
في كل بيت تقريبًا، هناك شخص غائب، لكن ذكراه حاضرة، واسمه يتردد مع الدعوات التي تسبق تناول الطعام.
لحظة الإفطار: فرحة مشوبة بالخوف
عندما يرفع الأذان، تلتقي الأيادي المرتجفة على حبات التمر وكأس الماء، لكن الأعين تظل شاخصة نحو السماء، كأنها تراقب المصير.
لا صوت هنا يعلو فوق صوت الدعاء، ليس فقط لرفع البلاء، بل أيضاً لحماية العائلة في الدقائق القادمة، التي قد تحمل معها قصفًا أو خبرًا مؤلمًا من مكان آخر في المدينة.
الإفطار في غزة ليس مجرد وجبة تُنهي يوم الصيام، بل هو طقس من الصمود، حيث يحاول الناس التشبث بالحياة وسط الرماد، والإصرار على العيش رغم كل ما حولهم من موت.