الشيخ الشهيد جبر عمار.. مجاهد وأسير ومُبعد ثم شهيد على أرض الوطن

أخبار حياة – بعد عقود طويلة ومسيرة حافلة بالعطاء والجهاد، ورحلة تنوعت بين الكفاح المسلح ضد المحتل ثم أسر ثم إبعاد، يتوّج المناضل الكبير جبر عمار نهاية حياته بالعودة إلى أرض الوطن قبيل معركة طوفان الأقصى بعدة شهور، لينال الشهادة مع أبناء شعبه في قطاع غزة، متأثرًا بإصابته في قصف إسرائيلي غادر.
وأعلنت هيئة إعلام الأسرى أن القائد الوطني والأسير المحرر جبر عمار أصيب خلال القصف الإسرائيلي الغادر فجر الثامن عشر من شهر رمضان، ليبقى تحت العلاج أيامًا ثم يودّع الدنيا شهيدًا اليوم الـ 25 من رمضان، مُسجلاً اسمه بحروف من نور في سجل العمل الوطني والجهادي في سبيل تحرير الأرض والمقدسات.
وذكر “إعلام الأسرى” في بيان له أن عمار هو أسير محرر أمضى 14 عامًا في سجون الاحتلال وتحرر في صفقة التبادل في العام 1983، موضحًا أنه كان من كوادر المقاومة ضد الاحتلال في غزة بعد 1967، ويعد من مؤسسي الحركة الإسلامية في السجون، وقد عاد إلى غزة قبل مدة قصيرة من معركة “طوفان الأقصى” بعد إبعاد استمر 30 عامًا إلى السودان.
تاريخ حافل
ولد القيادي عمّار في قرية بيت دراس شمال شرقي مدينة غزة، عام 1944م، واستشهد والده علي عبدالله عمار في عدوان عام 1948 على يد عصابات التهجير والإجرام الصهيونية، أنهى القائد جبر عمار دراسته الجامعية في جمهورية مصر العربية في كلية التجارة.
ويعدّ عمار أحد مقاتلي جيش التحرير وقوات التحرير الفلسطينية التي أسسها الراحل أحمد الشقيري، من المناضلين القدامى ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث كان له صولات وجولات في ميادين القتال وخاض العديد من المعارك أمام قوات الجيش الصهيوني.
واعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1969 وأصدرت بحقه حكمًا بالإعدام ثم المؤبد مدى الحياة، وأسس عمّار بعد اعتقاله أول تنظيم للحركة الإسلامية في داخل سجون الاحتلال وتميز خلال فترة أسره بالعنفوان الثوري في وجه السجان والقيادة الحكيمة للأسرى والمعتقلين.
العودة للوطن
كما أفرج الاحتلال عنه قبل استكمال مدة حكمه في إطار صفقة تبادل الأسرى التي تمت عام 1983، وبعد الإفراج عنه، تم إبعاده إلى لبنان، وتنقل بين الجزائر وتونس، إلى أن استقر به الحال في السودان ليتم إجلاءه ضمن من تم إجلاءهم إلى قطاع غزة عقب الأحداث الدامية في السودان الشقيق.
وتم استقبال القيادي عمار بعد عودته من قبل شخصيات رسمية وفصائلية بمعبر رفح البري؛ حيث عبر عن فرحته الغامرة بعودته لأرض الوطن بعد غياب استمر 40 عامًا ليواصل قصة كفاح فريدة في تاريخنا الفلسطيني المعاصر.
وفور عدته إلى غزة، هاتف الشهيد القائد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي الأسبق لحركة (حماس)، الشيخ جبر عمار، مهنئًا إياه بالعودة إلى قطاع غزة بعد غيابه عن أرضه أكثر من 40 عامًا.
وأشاد هنية -خلال الاتصال الهاتفي- بتضحيات الشيخ جبر عمار وتحمله سنوات الإبعاد الطويلة في سبيل الدفاع عن أرض الوطن، وثباته على المبادئ، معتبرًا إياه رمزًا من رموز البطولة والفداء وتأسيس العمل الإسلامي داخل السجون في حقبة السبعينيات والثمانينيات.

الأشقر: تاريخ لا ينكسر
وفي رثاء الشهيد الشيخ جبر عمار، قال الكاتب والمفكر الفلسطيني الدكتور أسامة الأشقر: “هو جَبرٌ، وهو أبو عليّ، وابن علي عمّار (المقاتل الذي ارتقى في عام 48 ذائدًا عن بلدته).
وأضاف الأشقر في منشور على صفحته “فيسبوك”: “رجلٌ جَهير الصوت، تسمعه من بعيد، سريع الخطو، آسِر الملامح، مفتول الأعصاب، مشدود القامة، كأنه الرمح الناصب، يطلّ عليك بجلبابه النظيف، وطاقيّته البيضاء، ولحيته المنسدلة التي اشتعل فيها الشيب”.
وتابع: “يشدّك من كتفك، ويضغط على قبضتك، ويصوّب ناظريه إليك ببريقٍ ساحر، ويصرخ بكل قوّة: سنعود، سنعود، وسنقاتلهم، ونهزمهم، واللهِ لن نتركهم، وسنصلّي هناك رغم أنوفهم!”.
وأردف الأشقر: “ثلاثون عامًا وأنا أستمع إليك، كنتَ تحمل تاريخًا لا ينكسر، كتبتُ الكثير مما قلتَه، ونسيتُ الكثير، لو كنتُ أملك حينذاك أن أستضيفك في “بودكاست” طويل لفعلتُ، وكنّا سنسمع منك عجائب المقاتلين، وحكايات السجون الأولى، وبواكير الصحوة”.
ويحكي الأشقر مخاطبًا الشهيد عمار: “كنتَ شاهداً على محطات غالية في حياتي، أوّل ما عرفتُك كنتَ عقيدًا على مِلاك جيش التحرير، وأعلم أنّك ترقّيتَ إلى رتبة لواء، وأعلم أنّك لم تخضع لهم بالقول، وأنّك أوذيتَ من أرباب التسويات وتجار المفاوضات حتى قطعوا عنك مستحقاتك بعد عودتك، ونعلم أنّك كنتَ صادقاً لم تزايِد يوماً، ونعلم أن دم والدك في بيت دراس كان يطلبك إلى جوار ثأره”.
وأكمل بالقول: “رأيتك تعود إلى مقاعد الدراسة وأنت في نحو السبعين من عمرك وتنال البكالوريوس في الشريعة من جامعة إفريقيا العالمية، ثم الماجستير، وكنت عازمًا على الدكتوراه”.
ويروي الأشقر أن الشهيد عمار: “بعد ارتقاء ابنته عائشة رحمها الله كان مصابًا إصابة صعبة، وكذلك زوجه الصابرة الحافظة أم عليّ، وعاشا في خيمة في ظروف قاسية جدًّا، ورغم أن بعض الأفاضل الكرماء ممن حاول تقديم المال له إلا أنه كان يأبَى بشدة، وكل ما قبِله هو غاز وقود لعدم توفره؛ وظلّ صابرًا حتى أصيب إصابة بالغة في القصف يوم 18 رمضان ليرتقي بعدها بأيام في ليالي العشر”.
ويعبر الأشقر عن مواصفات الشيخ بقوله: “لا أدري كيف كانت تأتيك الثقة بأنّك سترتقي في الميدان، وأن سلاحك سيعود إليك، وستقاتل بشرفٍ، ولكننا رأينا جميعًا كيف أعادك الله إلى وطنك بعد غربة طويلة، وكيف ارتقت ابنتك عائشة أول الطوفان، وكيف ساقك الله إلى ما تحبّ لتنال ما ترضى، وأنتَ الثمانينيّ الجليل المهيب، وعلِمنا كيف ركَزَ أحبّاؤك رفاتَك في الرمال لواءً، يستنهض الوادي صباحَ مساءَ”.