فلسطين

ما أهداف اغتيال المسؤولين الحكوميين والسياسيين في غزة؟

أخبار حياة – بينما لم يستطع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترجمة تهديداته بشأن تهجير سكان غزة طوعًا أو قسرًا، وبينما لم تجد الوعود التي وعدهم بها موضع إصغاء لديهم، إذ به يتجه إلى الطريقة الأسهل بالنسبة له، وهي إعطاء الضوء الأخضر للشرطي الأمريكي في الشرق الأوسط -المتمثل في كيان الاحتلال- بأن يعود إلى حرب الإبادة الجماعية، من دون هدف إلا خلق حالة إرباك بإشاعة الموت والدمار في كل مكان، وقطع كل سبل الحياة عن أهل القطاع، حتى لا يجدوا أمامهم إلا أن يُذبحوا فيها أو ينجوا بأنفسهم إلى خارجها.

ومع فجر الثلاثاء الماضي عاود الاحتلال الإسرائيلي -دون سابق إنذار- حربه على سكان القطاع، مستهدفًا كل أراضيها ومنشآتها بعد أن أحكم حولها الحصار قبل الحرب بأسبوعين، حتى صارت بلا غذاء ولا ماء ولا كهرباء، لكنه في الوقت نفسه ركّز أهدافه -هذه المرة- على اغتيال المسؤولين الإداريين وقادة الحكومة والعمل الإغاثي، دون أن يسجل في سجل جرائمه اسم أيٍّ من القادة العسكريين كما فعل في الجولة الطول للحرب.

ففي الساعات الأولى للعدوان الإسرائيلي المباغت فجر الثلاثاء الماضي، كان من بين مئات الشهداء والجرحى في “الليلة الدامية” التي دشن بها جيش الاحتلال رسميًّا استئنافه الحرب على قطاع غزة، برزت أسماء لافتة لقادة في العمل الحكومي الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

صبيحة العدوان

ومع انكشاف ضوء الصباح، ظهرت من بين نتائج ذلك العدوان الذي شنته عشرات المقاتلات الحربية الإسرائيلية بحمم نيرانها على منازل ومدارس ومساجد وخيام في القطاع الساحلي الصغير، أن عددًا من القيادات الحكومية والإدارية والسياسية والأمنية، قد ارتقوا في الضربات الأولى للاحتلال، في دلالة على أنهم كانوا هدفًا مسبقًا للعدو.

وأعلنت حركة حماس استشهاد عدد من المسؤولين في القطاعين الحكومي والأمني، ومنهم رئيس متابعة العمل الحكومي عصام الدعاليس، ووكيل وزارة العدل بالقطاع المستشار أحمد الحتة، ووكيل الداخلية اللواء محمود أبو وطفة، والمدير العام لجهاز الأمن الداخلي اللواء بهجت أبو سلطان، ومحمد الجمسي رئيس اللجنة المسؤولة عن التنسيق مع قيادات البلديات، وإدارة توزيع المساعدات الإنسانية الداخلة إلى القطاع.

وبعد أيام قليلة، وتحديدًا فجر الـ 23 من رمضان، اغتالت طائرات الاحتلال القيادي في حركة حماس وعضو مكتبها السياسي، الدكتور صلاح البردويل، رفقة زوجته في خيمتهم بخانيونس، فيما لم يمر اليوم التالي الـ 24 من رمضان حتى قصفت طائرات الاحتلال قسم الجراحة بمجمع ناصر الطبي ليرتقي كل من فيه من طواقم طبية وزوار ومرضى، والذين كان من بينهم عضو المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل برهوم؛ حيث كان يعالج من إصابته التي أصيب بها في أول ساعات استئناف الحرب.

خلق فراغ حكومي

في عودة الحرب على القطاع هذه المرة مع التركيز على اغتيال القادة الحكوميين والسياسيين واللجان الإغاثية والإدارية في القطاع، لاحظت الكاتبة الإسرائيلية نوريت يوحنان أنه “رغم أن المفاجأة في عودتها الحرب كان الهدف منها اغتيال قادة الحركة العسكريين.. إلا أن كل الأسماء التي أعلنت اغتيالها من الإداريين المعروفين لسكان القطاع ولم يسمع عنهم الخارج من قبل. ولم تفلح الغارات في الوصول إلى قائد عسكري واحد”.

وقالت يوحنان في تقرير بصحيفة تايمز أوف إسرائيل، في تقرير بصحيفة تايمز أوف إسرائيل، إن من أبرز الشخصيات التي اغتيلت: محمود أبو وطفة المسؤول عن تأمين السكان، وكان يقوم علنًا قبل أيام من اغتياله بدوريات في الشوارع.

وأضافت أن من بين من اغتيلوا كذلك: بهجت أبو سلطان، رئيس الجهاز الذي يتصدى للتجار المتهمين بالتلاعب بالأسعار، خلال وقف إطلاق النار، ومحمد الجمسي رئيس اللجنة المسؤولة عن التنسيق مع قيادات البلديات، وإدارة توزيع المساعدات الإنسانية الداخلة إلى القطاع.

وأشارت يوحنان إلى أن أدوار عدد من الذين اغتيلوا في الموجة الأولى من الغارات الإسرائيلية لا تزال غير واضحة، ومن بينهم: ياسر حرب، وأحمد الحتة الذي أشرف على وزارة العدل التي تديرها الحركة، وعصام الدعاليس، رئيس اللجنة الإدارية الحكومية، وصلاح البردويل، القيادي البارز في جناحها السياسي، والذي كان كان قد أجرى مقابلات إعلامية متكررة في السابق، لكنه لم يكن ناشطًا علنيًا، لافتة إلى أن “جميعهم شغلوا مناصب إدارية قبل الحرب، ولكن من غير المؤكد ما إذا كانت مسؤولياتهم قد تغيرت خلال الحرب أم أنهم حافظوا على مستوى نفوذهم السابق”، حسب قولها.

صلاح البردويل
صلاح البردويل

واستخلصت الكاتبة الإسرائيلية عدة نتائج من أهداف الاحتلال وراء اغتيالات هذه القيادات، كان أبرزها أن “جميع من قُتلوا كانوا مرتبطين بالحكم الداخلي في غزة. قد يُضعف مقتلهم قبضة الحركة على السكان، ولكن في غياب سلطة حاكمة بديلة، من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى انهيار حكمها، والنتيجة الأكثر ترجيحًا هي تفاقم الفوضى بين المدنيين”، وفق ما قالت.

وتابعت: “تباطأت وتيرة الاغتيالات؛ كانت هناك فجوة لعدة أيام بين الضربات الأولى والضربة الأخيرة، مما قد يشير إلى الفشل في تحديد مواقع كبار القادة”، مشيرة إلى أنه “لم يُعلن عن تصفية أي شخصيات بارزة من الجناح العسكري، وهي الجماعة التي تُدير الحرب وتحتجز رهائن إسرائيليين”.

ورأت يوحنان أنه يمكن الافتراض أن إسرائيل كانت تحاول استهداف شخصيات عسكرية بارزة، ولكن دون جدوى، لافتة إلى التقارير التي أفادت بمقتل عائلة محمد شبانة، قائد لواء الحركة في رفح، على الأرجح في محاولة إسرائيلية لاغتياله، إلا أنه نجا.

واعتبرت أن “عنصر المفاجأة هو الميزة الأبرز لإسرائيل في هذه المرحلة المتجددة من القتال، إلا أن هذه الميزة تلاشت في غضون ساعات يوم الثلاثاء، وبدون أخطاء من جانب كبار قادة الحركة العسكريين و”المدنيين”، يصعب تصور كيف ستنجح إسرائيل في القضاء على المزيد من كبار القادة في المستقبل القريب”.

مخططات إسرائيلية

من جهته يقول القيادي في حركة حماس محمود مرداوي إن الاغتيالات استهدفت بالدرجة الأولى القيادة المسؤولة عن إدارة شؤون السكان من توزيع للمواد الغذائية والحفاظ على الأمن وإدارة ملفات العلاج وسفر المرضى، معتبرًا أن دلالتها أنها تتوافق مع ما طرحه رئيس الأركان “الإرهابي” إيال زامير “وتهدف إلى فحص إمكانية تولي جيش الاحتلال الإسرائيلي توزيع الغذاء والوقود والمواد الإغاثية بنفسه أو بإشرافه للسكان في غزة، وهذا ذاته ما جربه الجيش في عهد رئيس الأركان السابق (هيرتسي هاليفي) وفشل”.

وأكد مرداوي -في تصريح أدلى به لشبكة الجزيرة- أن “مخططات التعامل المباشر مع العائلات والعشائر في غزة فشلت في الماضي، وكذلك ستفشل مجددًا المخططات التي تشارك بها شركات أمريكية”، مشيرًا أن تنفيذ هذه المخططات حاوله الاحتلال من خلال عمليات اغتيال قيادات وازنة في العمل الحكومي الإداري والأمني، وذلك بهدف إيجاد حالة من الفوضى والإرباك، تتيح لقطاع الطرق واللصوص الذين يتحصنون في مناطق سيطرة جيش الاحتلال ممارسة السرقة على مستويات فردية وجماعية، وإشاعة الفوضى.

ويضيف القيادي في حماس: “هذه الفوضى توفر فرصًا للمجرمين المرتبطين بالاحتلال للعبث بالجبهة الداخلية، وإيجاد بيئة مناسبة لما يطلق عليه اليوم التالي للحرب، تمنح العدو القدرة على إنشاء إدارة مدنية تحت احتلال عسكري تدير شؤون غزة”.

محمود مرداوي
القيادي محمود مرداوي

أهداف وبدائل

وبرأي مرداوي فإن لمخططات الاحتلال أبعادًا تكتيكية وإستراتيجية، وهو يمارس القتل والتجويع والحصار في محاولة منه لتولي شؤون إدارة غزة بمشاركة شركات أمريكية وبعض المرتزقة والهاربين من اللصوص وقطاع الطرق، وممن ينتظرون -للأسف- فرص المشاركة بإدارة غزة “تحت مدافع الدبابات”.

أما البعد الإستراتيجي -حسب القيادي في حماس- فإنه “يركز على اليوم التالي الذي يتم تصميمه لغاية نزع سلاح المقاومة، وإخضاع الشعب الفلسطيني، وتحقيق تطلعات اليمين الديني المتطرف بضم أجزاء من غزة وإعادة الاستيطان”، لافتًا إلى أن “العدو يعتقد أن الفرصة الآن مواتية بوجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتحقيق أهدافه القريبة والبعيدة باستعادة أسراه بدون أثمان، والسيطرة على قطاع غزة وتهجير سكانه، عبر تدمير فرص الحياة”.

ويؤكد القيادي بحماس أن لديهم دائمًا البدائل “ولا يمكن أن تسمح حماس للاحتلال بإيجاد حالة من الفراغ تُعطل قدرة الشعب الفلسطيني على الثبات”، موضّحًا أنها ليست المرة الأولى التي تمر بها حماس بمثل هذه “التجربة القاسية من اغتيال قيادات وازنة لديها قدرات عالية في الإدارة على الصعيدين العام والتنظيمي؛ حيث نجحت كل مرة بتجاوز تأثير هذه الاغتيالات رغم قساوتها، من خلال بنيتها المؤسسية والتنظيمية بوجود مساعدين -إلى جانب كل قائد- يتولون المهام ولديهم القدرة والكفاءة على استكمال المسيرة “وبالتالي لا إشكال إداريًّا وتنظيميًّا من وراء هذه الاغتيالات البربرية”.

YouTube player

سبل المواجهة

بدوره، حدد مدير عام مكتب الإعلام الحكومي إسماعيل الثوابتة أهداف جيش الاحتلال من وراء جرائم الاغتيال المنهجية لأركان العمل الحكومي والإداري والأمني، والتي من أبرزها: إضعاف المنظومة الحاكمة، فمن خلال تصفية القيادات المسؤولة عن إدارة القطاع، يسعى الاحتلال إلى شلّ المؤسسات المدنية والخدمية، وإرباك منظومة الحكم.

وأضاف الثوابتة -في تصريح لشبكة الجزيرة- أن من بين تلك الهداف أيضًا، إيجاد فراغ إداري وأمني؛ حيث يستهدف الاحتلال تعطيل المؤسسات الحكومية وإضعاف قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، مما قد يؤدي إلى فوضى إدارية وأمنية، وكذلك تفكيك المنظومة الأمنية من خلال اغتيال القادة الأمنيين؛ حيث يهدف الاحتلال إلى زعزعة الاستقرار وإضعاف قدرة الأجهزة الأمنية على ضبط الجبهة الداخلية.

وكشف مدير الإعلامي الحكومي عن البدء في اتخاذ إجراءات لإفشال مساعي الاحتلال ومخططاته، وسد الفراغ والمحافظة على الاستقرار الإداري والأمني، وذلك لضمان استمرار العمل الحكومي والأمني ومنع حدوث أي فوضى، ومن أبرزها تفعيل منظومة القيادة البديلة عبر إسناد مهام القادة الشهداء لمسؤولين آخرين لشغر الأماكن القيادية وضمان استمرارية العمل الحكومي بسلاسة، وضمان استمرارية تقديم الخدمة للمواطنين.

إسماعيل الثوابتة
مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة

وأضاف أنه يتم حاليا تعزيز العمل المؤسسي وتوزيع الصلاحيات وتقوية المؤسسات بحيث لا تكون مرهونة بأفراد، وتعمل بنظم إدارية تضمن استمراريتها في أي ظرف، ولضمان عدم تأثر الأداء الحكومي باغتيال مسؤولين محددين، إضافة إلى إجراءات مهمة أخرى لازمة في هذه المرحلة الطارئة، وفقا للثوابتة.

وشدد المسؤول الحكومي على أن “الاحتلال يعتقد أن استهداف أركان الحكم في غزة سيؤدي إلى انهيار إداري وأمني وإحداث فراغ قيادي وميداني. ولكن بتعزيز العمل المؤسسي، وتفعيل القيادة البديلة، واتخاذ التدابير الأمنية والإدارية، سنعمل على إفشال مخططاته والحفاظ على الاستقرار، وإفشال أي محاولة لاختلاق الفوضى أو تعطيل إدارة شؤون أبناء شعبنا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أخبار حياة