مشروع لإعمار المنظمة

سائد كراجة
إسرائيل تخنق الضفة الغربية وأهلها خنقًا، وهي تمارس يوميًا على الأرض ممارسات عسكرية وسياسية تهدف في النتيجة لضم الضفة، يقول أهل الضفة نحن نعيش اليوم على الحواجز أو على الطرقات الخلفية في محاولة لتجنبها، أنشأ المستوطنون 52 بؤرة استيطانية جديدة في جميع أنحاء الضفة الغربية خلال العام 2024، ودشنوا طرقًا على حساب الأراضي الفلسطينية لربط هذه البؤر بالمستوطنات القائمة، وصادرت دولة الاحتلال منذ أكتوبر الماضي حوالي 12 ألف دونم من أراضي المواطنين الفلسطينيين لصالح المستوطنات. وعلى صعيد اقتصادي، زاد معدل البطالة ليصل إلى 35 % في الضفة الغربية. والسلطة على حافة التوقف حتى عن «أعمال البلدية» التي تقوم بها.
حتى الآن، تتجنب إسرائيل التهجير القسري، وتعتمد سياسة التهجير الصامت وتؤسس إلى التهجير الطوعي. تقول إحدى الشابات التي التقيناها هنا في عمان مؤخرا ضمن ورشة عمل مع قيادات شابة فلسطينية: «… أوسلوا كشفت عن تفتت روح المقاومة الفلسطينية وتوضح، كانت كل فلسطين تنتفض لدهس فتاة أو قتل عامل، اليوم كل حرب غزة كأنها للبعض في مكان آخر من الكوكب. الشارع الأردني تحرك تضامنًا مع غزة أكثر من الشارع في الضفةالغربية!».
سياسيًا السلطة في وضع حرج، وفقدت أي قدرة على المناورة، وسهام النقد تأتيها من فتح وخارج فتح، ويبدو أنها فقدت مصداقيتها لدى الشارع الفلسطيني. أمام هذه التحديات يصبح إنقاذ السلطة من نفسها ضرورة عملية ليس فقط للفلسطينيين، بل لكل العالم العربي، وخاصة الأردن ومصر، فإن انهيار السلطة وغياب منظمة التحرير الفلسطينية مؤشر خطير وحقيقي سيسهم في مشروع التهجير بما فيه التهجير القسري. يجب مساعدة السلطة على استمرار وجودها الخدمي والوظيفي، ومحاولة مساعدتها على استعادة ثقتها لدى الشارع الفلسطيني. أما على الصعيد السياسي، فإن قيام تحرك عربي لإعمار مؤسسة منظمة التحرير الفلسطينية أصبح ضرورة فلسطينية وعربية حتمية.
نعلم أننا في الأردن وبحق، ليس من مصلحتنا التدخل في الشأن الفلسطيني، وقد عبرت القيادة الأردنية عن هذا الموقف سرًا وعلنًا، ولكن ما يحصل الآن ليست انتخابات داخلية لا نريد التدخل بها، إن سور الجيران على وشك الانهيار -إن لم يكن قد بدء فعلا بالانهيار- فإن انهار فإنه سينهار علينا، ولهذا فإن من الحصافة القانونية والسياسية والعملية التدخل المباشر لوقف هذا الانهيار.
إن مصر والأردن معنيتان مباشرة بقيادة مشروع إعمار منظمة التحرير الفلسطينية، يهدف هذا المشروع ليس لسيطرة ومصادرة القرار الفلسطيني بقدر ما هو لمساعدة القيادة الفلسطينية على توحيد الشعب الفلسطيني لاسترداد زمام المبادرة السياسية والشعبية على الأرض تمهيدًا لتقديم هذه القيادة رؤية وأداء تستطيع من خلالها أن تقطف الثمار الدولية والمحلية الناتجة عن طوفان الأقصى وأيضًا أن توقف الدمار والحرب التي تشنها إسرائيل بانتقامية غير مسبوقة على الشعب الفلسطيني، وذلك حتى تستطيع مثل هذه القيادة تقديم الحلول وتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني.
الانقسام الفلسطيني عيب وتفريط بدماء الفلسطينيين ولم يعد مقبولًا ولا مبررًا، واستمراره هو أسهل طريق استثمرته وتستثمره إسرائيل لطرد الفلسطيني أو قتله أو قبوله بأي فتات يقدمه نتنياهو.
إن مشروع تتبناه الأردن ومصر، يجمع حوله العالم العربي «لفرض» شكل من أشكال الوحدة الفلسطينية وإعادة الحياة والمبادرة السياسة للمنظمة فكرًا وهيكلًا سياسيًا يجمع الفصائل جميعها، أصبح كما قلنا ضرورة وطنية فلسطينية وعربية.
إن كان العالم العربي عاجزًا، للأسف، عن التدخل العسكري لوقف الحرب، فليقف سياسيًا وبخطوات حاسمة لتوحيد الصف الفلسطيني تمهيدا لتقديم حل يوقف الحرب ويقدم حلًا سياسيًا يلبي طموحات الفلسطيني ويليق بتضحياته. أمام وحدة الدم وتضحيات الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، فإن الانقسام الفلسطيني وصمة عار على القيادة الفلسطينية وعلى العالم العربي والإسلامي جنابك.