Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

التحول الرقمي في الأردن: بين مركزية القرار وشلل البيروقراطية

د. رامي شاهين

تكنولوجيا تغلف الأنظمة الإدارية القديمه

في عالمٍ أصبحت فيه التكنولوجيا محركًا أساسيًا للاقتصاد، تتعطل عجلات التحول الرقمي في الأردن نتيجة نظام إداري تقليدي، ومفاهيم مشوشة لما يعنيه فعلاً “التحول الرقمي”. نحن لا نعيش ثورة رقمية بل تزيين رقمي لنظام بيروقراطي قديم. ما يُروّج له كـ “نجاح رقمي”، ما هو إلا قناع لأزمة أعمق.

غياب سياسة التعهيد: ضياع فرصة التحديث الحقيقي

خلافًا لما يُروج له، لا تمتلك الحكومة الأردنية سياسة واضحة للتعهيد (Outsourcing) كأداة استراتيجية لتحسين الخدمة وكفاءة الكلفة. ما يحدث هو العكس: احتكار للوظائف والعمليات داخل المؤسسة الواحدة، مما أدى إلى تجميد فرص الابتكار، وإعادة تدوير نفس أدوات التنفيذ القديمة.
غياب التعهيد هنا ليس غفلة، بل تحدٍ مؤسسي وسياسي يرتبط بمركزية القرار والخوف من فقدان السيطرة، وهو ما يعارض تمامًا مبادئ الحكومة الرقمية.

بيروقراطية التكنولوجيا: ممارسات تقليدية بواجهات رقمية

التحول الرقمي لا يعني وجود موقع إلكتروني أو “QR code” على ورقة الطلب. إنه إعادة هيكلة شاملة لمنظومة الإجراءات، وتفكيك البيروقراطية.
لكن الواقع؟

ما زالت الأنظمة غير متكاملة.

قاعدة البيانات مشتتة.

لا وجود لمنهجية موحدة لإدارة تجربة المتعامل.

لا يوجد مؤشر أداء حكومي فعّال يعكس الرضا الحقيقي للمواطن، فقط مؤشرات شكلية مغلوطة.

مركزية القرار الاقتصادي الرقمي: كبح للمبادرة وتعطيل للتنفيذ

رغم تأسيس “الاقتصاد الرقمي” كمركز للقرار، إلا أن السياسات المركزية أجهضت فعليًا روح الابتكار على مستوى الوزارات والمؤسسات.
أي محاولة تطوير داخلي تصطدم ببطء القرار، وتعقيد الموافقات، وهيمنة المرجعية المركزية.

تشير دراسة صادرة عن البنك الدولي (2022) إلى أن أكثر من 62% من المشاريع الرقمية في الشرق الأوسط تفشل بسبب عدم وضوح الحوكمة وضعف استقلالية القرار الرقمي داخل المؤسسات.

الرحلة الزائفة للمتعامل الأردني

“خدمة رقمية” في الأردن تعني غالبًا:

“استعلام” إلكتروني

“حجز دور” وليس تنفيذ فعلي

“رفع طلب” بدون تتبع حقيقي

لكن ماذا عن الإجراءات الجوهرية؟ عن التكامل؟ عن تقليل الجهد؟
المواطن لا يزال يدفع وقته، جهده، وكرامته في سبيل خدمة يُفترض أن تكون لحظية.

في دراسة ميدانية داخل 5 مؤسسات خدمية في 2023، تبين أن:

78% من الخدمات الرقمية تطلب استكمال إجراءات يدوية.

84% من المراجعين زاروا الدائرة مرتين أو أكثر.

92% لا يثقون أن معاملتهم تسير ما لم يراجع شخصيًا.

المطلوب: إنفاذ نظام إداري رقمي وليس “سياسة ترقيع”

الحل لا يكون بإنشاء إدارات رقمية ضمن مؤسسات غير مهيأة، بل بـ:

  1. إنفاذ نظام إداري جديد مبني على مبادئ السرعة، التمكين، واللامركزية الذكية.
  2. تمكين حقيقي لسياسات التعهيد وربطها بالحوسبة السحابية، وتحليل البيانات، والذكاء الاصطناعي.
  3. فتح المجال للمنافسة بين القطاعين العام والخاص لتقديم خدمات أفضل.
  4. إلغاء احتكار الخدمة داخل المؤسسة الواحدة وإشراك الأطراف الفاعلة كطرف في بناء منظومة المواطن.

ما لم يتم تحرير القرار الرقمي من البيروقراطية، ووضع سياسات تمكين حقيقية للتعهيد والحوكمة الذكية، فكل ما نراه ليس إلا “واجهة تكنولوجية” تُغلف عقلية إدارية من زمن الماضي.

التحول الرقمي الحقيقي يبدأ عندما نتعامل مع التكنولوجيا كسياسة عامة شاملة، لا كأداة إعلامية مؤقتة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أخبار حياة