قطاع الأعمال وحقوق الإنسان

د.نهلا عبدالقادر المومني
“التحدي الذي يواجهنا هو التأكد من أنّ قطاع الأعمال ليس جزءًا من المشكلة بل مصدر للحلول. يجب أن تحترم حقوق الإنسان”. هذا ما جاء على لسان بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة عام 2015م، في إطار حديثه حول دور قطاع الأعمال في حماية وتعزيز حقوق الإنسان.
في الواقع أن يكون قطاع الأعمال مصدرا للحلول ومكونا أساسيا يدفع باتجاه تبني قيم المسؤولية المجتمعية ودعم وتعزيز حقوق الإنسان يتجسد فيما قامت به مجموعة من الجهات التابعة لقطاع الأعمال في الأردن وذلك بتخصيصها مبالغ مالية لدعم قطاعات حيوية كالتعليم والصحة، وذلك في إطار الدفع قدما نحو تحقيق أهداف التنمية وترسيخ مفاهيم المسؤولية المجتمعية لقطاع الأعمال على اختلاف أشكاله.
في إطار تعليقه على ما قامت به هذه الجهات من وضع مخصصات وضمن أطر زمنية محددة لدعم قطاعي التعليم والصحة أشار رئيس الوزراء إلى أن “المسؤولية المجتمعية ليست في جمع التبرعات أو تقديم المنح أو العمل الخيري، بقدر ما هي سياسات تنموية تؤسس في شراكة مستدامة وتحقق الأولويات، وأنها الوجه الآخر لمثلث الشراكة الحقيقي بين القطاعين الخاص والعام والمجتمع المحلي”.
في الواقع ما تمت الإشارة إليه يشكل حجر الزاوية في فهم دور قطاع الاعمال في مجال المسؤولية المجتمعية؛ فأحد أهم القيم التي يتوجب أن تحكم قطاع الأعمال هو سعيها نحو حماية وتعزيز حقوق الإنسان، وهذه الحماية وهذا التعزيز يتم من خلال وضع سياسة عامة تحكم عمل هذه الشركات تجعل من تفاعلها ودعمها لحقوق الإنسان أحد أهدافها وخططها الإستراتيجية، وهو أمر لا يعد من باب التزيد وإنما يدخل في إطار مساهمة هذا القطاع في تحقيق تنمية مستدامة ستنعكس آثارها الايجابية عليه ايضا على المدى القريب والبعيد، ويسهم في تعزيز الامن والاستقرار المجتمعي ما ينعكس ايضا على تحسين بيئة الاستثمار ومناخه العام، فهي إذا حلقة متكاملة.
على الصعيد الدولي تمّ تبني المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان التي أكدت أنّ قطاع الأعمال بمختلف أشكاله عليه أن يقوم بتبني سياسة عامة وإجراءات تنفيذية تعكس التزامه ومسؤوليته في احترام حقوق الإنسان وتعزيزها ودعمها بالنظر إلى قدرتها على التأثير على قطاعات الحقوق المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك اشارت المبادئ ذاتها إلى ضرورة أن يوفر هذا القطاع سبل إنصاف أو تظلم داخلية لمعالجة الآثار الناتجة عن اعمال، اضافة الى التزام هذا القطاع بمبادئ الشفافية والنزاهة والافصاح الاستباقي عن المعلومات المتعلقة بما يقوم به من اجراءات او يتخذه من قرارات.
ختاما وللبناء على الخطوات الايجابية السابقة، لا بد من طرح تساؤل حول ما هو قادم وماذا نريد أيضا على المستوى الوطني الداخلي ليمارس قطاع الاعمال دورا متزايدا في حماية وتعزيز حقوق الانسان وفي ترسيخ أسس المسؤولية المجتمعية؟
في الواقع المشهد واسع والتفاصيل متعددة ومتشعبة تلك التي يمكن لهذا القطاع ان يلعب من خلالها دورا حيويا يسهم في تحقيق الأمن المجتمعي، على سبيل المثال وبالإضافة إلى المسألة المهمة في توفير مخصصات ضمن السياسة العامة لدعم قطاعات حيوية، لا بد لهذا القطاع من ان يبدأ في ممارسة دوره في تحمّل جزء من الرعاية اللاحقة للأفراد خاصة أولئك الذين أنهوا فترة حكمهم في مراكز الإصلاح والتأهيل، والذين يواجهون بقلة فرص العمل ونبذ المجتمع لهم ومعاناتهم من صدمة ما بعد الإفراج، ففي بعض الممارسات الفضلى للدول يعمد قطاع الأعمال إلى توفير فرص عمل لبعضهم للمساهمة في الحد من العود الجرمي، وكذلك الحال ينطبق في ممارسة أدوار مهمة في تقديم الدعم الممنهج للرعاية اللاحقة للأحداث ايضا التي تشكل مسألة تثير القلق وطنيا، لا بد لهذا القطاع أيضا من دعم مؤسسات الرعاية الاجتماعية على اختلاف أشكالها ووضع آليات للمساهمة في تأمين مستقبل خريجي هذه المؤسسات خاصة بتوفير فرص عمل لهم.
وغير ذلك الكثير، فقطاع الأعمال عامل محوري في النهوض بالمجتمعات إذا ما قدر له وتوفر لديه الوعي الكافي بدوره في هذا السياق.