Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

وقفة ومحاسبة كبيرة لا مجرد صفحة تطوى

سامح المحاريق

إلى حد كبير يعتبر الأردن دولةً منيعة لها مؤسساتها المستقرة التي تعمل ضمن منظومة واضحة، كما أن الأردنيين يعتبرون مجتمعًا متجانسًا تسوده قيم التعايش والتسامح، ومع أن الأردن يحقق نصرًا جديدًا على الإرهاب ومحاولات الاستهداف ويثبت من جديد يقظته وتقدمه على المخططات المشبوهة، لكن ذلك كله لا يعني حصانةً كاملةً من التهديدات التي عصفت بدول عربية شقيقة مجاورة، وهذه نقطة يجب ألا تغيب عن أحد وهو يتابع البيانات الرسمية التي أعقبت إعلان المخابرات العامة عن مجموعة من الخلايا التي أعدت لأعمال إرهابية في المملكة، فلا مجال للتشكيك أو التذاكي ومحاولات الربط بأي عامل آخر سوى وجود تهديد، ذلك أن حسابات التوقيت كانت عاملًا أساسيًا في محاولات الاستهداف وفي قرار الدولة الأردنية التعامل معها بهذه الطريقة.

حالة السيولة التي تعيشها المنطقة حملت تحدياتها الخاصة، وأتت لحظة الحقيقة لتحدث افتراقًا جوهريًا بين من يؤمنون بالدولة ومن يحملون بنى فكرية تتجاوزها، وهو الأمر الذي يمكن أن يبقى مفهومًا طالما لم يقترن بأعمال تحاول استغلال الفرصة ضمن نهج انتهازي كان يعبر عن نفسه طويلًا في البلدان العربية الأخرى، وكان الأردن يصدق أنه استثناء من ذلك لأنه يمتلك سياسة داخلية تقوم على التسامح والتجاوز، إلا أن هذه السياسة لا تبدو صحيحة على الدوام، إذ ظهر أنها كانت استراتيجية من طرف واحد، وأن أطرافًا كثيرة كانت تستغل هذه المبادئ الوطنية وتتحين فرصة سانحة من أجل تحقيق برامجها.

أنجزت الأجهزة الأمنية واجبها، ويمكن القول إنها أنجزته بمهنية عالية، فهي لم تتعسف ولم تأخذ المئات بالشبهات، ولكنها عملت على المتابعة والتقصي وحولت المتهمين الرئيسيين الذين تحاوطهم الأدلة والاعترافات إلى محكمة أمن الدولة، ولكن اليوم، نحتاج إلى وقفة طويلة وإلى جردة حساب متأنية، فكيف وصلنا إلى هذه النقطة، هذه مسألة يجب على كثيرين أن يضطلعوا بالإجابة عنها، مسؤولون عن ملفات التعليم والثقافة، وآخرون من قيادات مجتمعية انصرفت إلى الانغلاق على ذاتها ومصالحها بدلًا من تقديم الوجه الحقيقي للمبادئ والثوابت الوطنية الأردنية.

إلى أين يجب أن نمضي بعد هذه النقطة؟ هذا سؤال آخر على قدر كبير من الأهمية، فالمتهمون يشكلون جزءًا من طيف، وهذا الطيف يجب أن نتعامل معه بمختلف الوسائل؛ فهناك من يمكن استصلاحهم من خلال تفكيك الخطاب الذي استولى عليهم، وهناك من يجب التعامل معهم بأدوات الدولة من الإكراه والسيطرة للمحافظة على سلامة المجتمع واستقراره.

إلى متى ستبقى سياسة الأذرع المفتوحة والتخوف من الصوت المرتفع هي التي تحكم المشهد، وكيف يسمح لفصيل أو تنظيم بخلط الأوراق على هذه الشاكلة، وكيف يمكن أن نتركه يتسلق على قضايا قومية باستخفاف ليدعي أدوارًا ليست له يضيفها إلى رصيده، بينما يسعى إلى الانتقاص من رصيد الدولة؟ ألا يجب في هذه اللحظة أن نتوقف بمكاشفة شاملة تقرأ تاريخًا تغاضينا عن بعض صفحاته، وقفزنا عن كثير من سطوره.

أعرف بصورة شخصية أسرتين فقدتا أقارب لهما في تفجيرات عمان 2005، وإلى اليوم ما زالت الندوب النفسية تستوطنهما، ولا أريد أن أرى مثل هذه المشاهد في عمان مرة أخرى، وتابعت مثل أي مواطن عربي كيف كان الإرهاب يعصف ببلدان عربية شقيقة، ومن حقوقي كمواطن أن أتيقن من أن المعالجة ليست أمنية في كل مرة، ولكنها جذرية، لأنني حين أطالب ألا أرى القمع والعنف من قبل الدولة، فأنا أنأى ببلادي عن تغذية الثأرية والنزعات الانتقامية، ولكن لا أريد أن أرى في المقابل نوابًا يطالبون بالإفراج عن أشخاص كانوا محتجزين في دائرة المخابرات بسبب تصنيع الصواريخ والمتفجرات بدعوى أنهم ناشطون سياسيون.

أريد محاسبةً كاملة، لا مجرد منجز أمني، أريد تأمين بلادي من الحريق لا التغني بقدرة الإطفائيين، هذا ما أريده كمواطن أردني كان يعيش حياته بينما تصنع هياكل صواريخ قصيرة المدى يمكن أن تستهدف أمنه وحياته، صواريخ ليست موجهة إلى أي مكان سوى المدن والقرى الأردنية، صواريخ لن تتوقف لتسأل عن الشخص الذي تستهدفه؟ هل هو شخص طيب ويعول أسرة تحبه؟ أم صاحب أجندة وبرنامج يجب استهدافه، صواريخ ليس بوسعها إلا أن تهدد حياة أطفال وشباب تصادف أنهم كانوا في أماكن سقوطها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أخبار حياة