ما بعد هذا الملف الأمني؟

ماهر أبو طير

كان متوقعا الإعلان منذ أيام، الإعلان عن ملف أمني حساس في الأردن، وربما تسرّبت معلومات إلى عدد محدود من هنا أو هناك، حول شيء ما مقبل قريبا.

في كل الأحوال خرجت الجهات المختصة، وكشفت المعلومات حول المجموعة التي تضم 16 شخصا، ولهم صلة بتصنيع الأسلحة، أو تخزينها، وهذه ليست أول مجموعة يتم الإعلان عنها في الأردن، ولو عدنا إلى الأرشيف لوجدنا عشرات المجموعات المختلفة، من اتجاهات متباينة، وتتبنى شعارات متعددة، وتم الوصول إليها خلال العقود الثلاثة الماضية، في ظل منطقة تحفل بالصراعات، والأجندات، بعضها يعبر عن استهداف، وبعضها عن خطط، وبعضها تحركه أجندة وأجهزة أمنية إقليمية تتغطى بشعارات.

رد الفعل السياسي والشعبي، كان واضحا، لكن النقطة الأهم التي لم يختلف عليها أحد في الأردن، أن لا أحد فينا يريد إيذاء الأردن، مهما كانت مبررات الإيذاء، لأن أي نشاط عسكري داخل الأردن، أو حتى عبر حدوده، سيرتد بالكلفة النهائية على استقرار الأردن، وأمنه، وحياة من فيه، وهذا الأمر لا يمكن المجاملة فيه، ونحن نرى بأعيننا احتراق الدول من حولنا، وما تتعرض له الشعوب الشقيقة من ابتلاءات، خصوصا، أننا نعيش في بلد، رأسماله الأساسي، استقراره الاجتماعي والأمني، ولا يحتمل المقامرة ولا المغامرة بحياة أهله، تحت أي عنوان أو مبرر أو ذريعة.

من جهة ثانية لا يجوز توظيف هذا الملف لاعتبارات تتجاوز أصل القصة، لأننا أمام ملف أحيل إلى القضاء، وهو قضاء سيقول كلمته النهائية، وفي تجارب سابقة، أصدر أحكامه ببراءة متهمين، أو تجريم متهمين، وهذا يعني أن توظيف الملف لاعتبارات سياسية، أو من باب رد الفعل العاطفي، أمر غير مناسب، حتى لا نتورط في توزيع شهادات البراءة أو الاتهام، في الوقت الذي تبدو فيه هذه المهمة مهمة القضاء وحيدا.

النقطة الثالثة المهمة هنا، هي قصة فلسطين، التي نحبها جميعا، وأرشيف كل واحد فينا المكتوب عبر المقالات، أو المنطوق تلفزيونيا، يشهد أننا ضد الاحتلال، وضد التطبيع، وندافع عن المقاومة الفلسطينية، ولا نجرم أي مقاومة، حتى لا نتورط في مزاودات، وهنا لا بد أن يقال أن فلسطين لا تستفيد أبدا من خراب الأردن، بل إن جر الأردن إلى أي فوضى، أو حدث أمني، سيؤدي لاحتمال انتقام الاحتلال من الأردن، إذا كان التخطيط موجها ضد إسرائيل وفقا لتأكيدات البعض، وسيلبي مخططات إسرائيل في المحصلة، بخلخلة الأردن، وتجهيزه للتقسيم أو التهجير، وهذا كلام يفهمه الكل، الإسلاميون والقوميون واليساريون، الذين يدركون أن الأردن المستقر القوي، مصلحة لأهله، ولجواره، بعد أن رأينا تغوّل العدو ومن معه ضد الشعب الفلسطيني وضد كل جوار فلسطين، كما سورية ولبنان، دون أن يوقف أحد هذا الاحتلال البشع عن جرائمه؟

أما النقطة الرابعة فهي أننا بحاجة إلى مناخ تهدئة داخلية، وأن نتوقف عن تلوين وتصنيف بعضنا، وتوزيع الاتهامات يمينا ويسارا، حتى لا نتورط أيضا بصناعة احتقان داخلي، بحسن نوايا أو سوء نوايا، فهذه طريقة لا يستفيد منها الأردن، وتؤدي إلى مس البنيان الداخلي كارتداد لكل هذا الملف الذي تم الإعلان عنه، خصوصا، أننا نتفق جميعا على إدامة استقرار الأردن، وحفظ كرامة ودم من فيه، كبارا وصغارا.

أما النقطة الخامسة فتتعلق بالضخ المتواصل حول ضرورة اتخاذ إجراءات سياسية، ضد جهات محددة، وبرأيي أن هذا الأمر لا يخضع لضغط الدعوات من خارج المؤسسة الرسمية، التي تطالب برد فعل رسمي سياسي، ولا يخضع أيضا لمن يطالبون بعدم اتخاذ أي خطوات، أي كلا الفريقين يجب أن يكونا خارج قصة القرار، وهو القرار الذي تتخذه المؤسسات السيادية وفقا لحسابات دقيقة، تدركها هي، ولا تتبع أهواء أي فريق، ولا تتأثر بتشكيلات الرأي العام أيا كان اتجاهها، وفي الوقت ذاته توجب هذه القصة على الكل مراجعة سياساتهم، في هذا التوقيت الحساس جدا.

استعادة حياتنا الطبيعية بعد هذا الحدث أمر ضروري، حتى يكون حرصنا على الأردن، واقعا عمليا، وليس مجرد شعار.
حمى الله الأردن من كل ضرر، وفك فلسطين من أسرها الظالم.