الدولة لا يديرها المزاج أيضا

مالك العثامنة
(الأردن اليوم لا يواجه مجرد تهديد أمني، بل يواجه اختبارًا حقيقيًا لمدى جدية الأطراف السياسية في الاندماج في مشروع الدولة الحديثة، التي تقيم الأحزاب على أسس المواطنة لا الاصطفاف، وعلى وضوح المرجعية لا تعدد الولاءات).
تلك عبارة لافتة وحصيفة وغاية في العقلانية كتبها الصديق الدكتور عامر بني عامر في مقال بعنوان موجز ومكثف هو (البرلمان لا يحل بالخوف) نشره موقع عمون الرائد.
من بين كل ما قرأت في تداعيات أحداث يوم الثلاثاء، كان مقال الدكتور بني عامر الأكثر أهمية في نظري لأنه عالج تداعيات الموضوع من زاوية سياسية دستورية وقانونية بصيغة تبعث الاطمئنان على الوعي المطلوب في الدولة.
أتفق تماما مع ما ذهب إليه الدكتور عامر، فالدولة لا قلب لها، بمعنى أنها لا تتوجس ولا ترتعب ولا تحب ولا تكره، وهذا في حال كانت دولة مؤسسات صحية بكامل عافيتها وهو الاختبار الذي يجب ان نمر فيه جميعا لنثبت ذلك.
وما شهدناه من أحداث يوم الثلاثاء كانت له إرهاصاته التي سبقته، والكافية لتوقع ما يمكن أن يحدث في حالة توسع الغوغائية والشعبوية التي اعتقدت واهمة أنها قادرة على السيطرة والتحكم بمفاصل الدولة فقط لأنها استباحت الشارع.
هو تهديد أمني، معرض لأن يتوسع أكثر لو تم تركه على انفلاته، لكن الدولة فعليا ليست بصدد التفرغ لمواجهة تهديد أمني، هذا عمل المؤسسات المعنية في الدولة، لكن الدولة وهي تسعى للإصلاح بكافة مستوياته تواجه استحقاقات الأخطاء لتتجاوزها وتلك مهمة المؤسسات الحزبية أولا لتعيد تأهيل نفسها في الدولة كشريك لا كواجهات استعراض بائس يترك الفراغ للشعبويات والغوغائيات والدجل والشعوذة التي تغلف نفسها بعباءات مقدسة.
المؤسسات التي واجهت التهديد الأمني بجدارة وكفاءة واحترافية أدت وظيفتها التي تأسست أصلا عليها، لكن الإصلاح مستمر ويجب أن يستمر.
لن أخوض هنا في قرارات متوقعة حول حل البرلمان ودستورية كل ما سيحدث، لكن الفرصة كبيرة لإعادة تأهيل الوعي وتوجيهه نحو مفهوم الدولة التي هي للجميع.
قد يكون هناك حل للبرلمان، وهذا له تداعياته وتكاليفه. وقد يكون هناك حلول دستورية مختلفة تتوافق مع القوانين أيضا، مثل تعبئة فراغ “الشعوذة” والشعبوية بأحزاب واعية لكل مفهوم الدولة والتشريع والمؤسسات والمواطنة التي تقاس بمسطرة الدستور والقوانين والحقوق والواجبات.
الأحداث الأمنية الأخيرة صادمة، لكنها كافية لنقف أمامها بتفكير وتأمل عميقين ونحدد أخطاء المرحلة السابقة لبناء القادم بثقة وثبات مؤمنين بالدولة.. والدستور والقوانين.