أخبار حياة – في موقف سياسي محسوب ومتقدِّم، وضعت حركة “حماس” النقاط على الحروف بإعلانها الواضح عن استعدادها لصفقة تبادل شاملة تتضمن إطلاق جميع الأسرى الإسرائيليين مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين، ووقف الحرب على قطاع غزة، وانسحاب الاحتلال الكامل منه.
هذا الموقف -الذي أكده خليل الحية، رئيس الحركة في قطاع غزة، ورئيس وفدها المفاوض- جاء لينهي دوامة الصفقات الجزئية والمفاوضات المتقطعة، ويعيد صياغة قواعد المعركة السياسية والأمنية في المشهد الإقليمي والدولي، وسط استمرار الإبادة التي يصر عليها الاحتلال.
حسم لا لبس فيه
الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا من قطاع غزة يصف هذا الطرح بأنه “وضع الكرة بالكامل في ملعب الاحتلال”، مضيفًا أن حماس أعلنت بوضوح: “أوقفوا الحرب، انسحبوا من غزة، أطلقوا الأسرى الفلسطينيين، واستعيدوا أسراكم، وابدؤوا الإعمار”. لا مزيد من التفاوض المفتوح ولا صفقات منقوصة، فقط اتفاق شامل أو لا شيء.
ويرى القرا في تعليق نشره على صفحته على فيسبوك، وتابعه المركز الفلسطيني للإعلام، أن نتنياهو بات مكشوفًا أمام العالم، إذ يرفض أي حل حقيقي، ويصر على سياسة فرض الاستسلام، ما جعله في عزلة متزايدة، ليس فقط عن خصومه، بل حتى عن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وعائلات الأسرى وحلفائه الدوليين.
صفقة شاملة أو لا صفقة
ومن قطاع غزة أيضًا، اختصر الكاتب ذو الفقار سويرجو الموقف بجملة واحدة: “صفقة شاملة أو لا صفقة.. لا تفاوض ولا مفاوضات ولا وسطاء، رفعت الأقلام وجفّت الصحف”.
وأكد أن الجحيم الذي يتحدث عنه الاحتلال يعيشه شعبنا يوميًا.
وفي كلمة متلفزة، أعلن القيادي خليل الحية مساء الخميس، أن حماس توافق على صفقة تتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى لدى المقاومة وعدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين مقابل وقف الحرب تماما والانسحاب الكامل من القطاع، مشددا على أن الحركة لن تكون جزءا من سياسة الاتفاقات الجزئية التي يتخذها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غطاء لأجندته القائمة على استمرار الإبادة، حتى لو كان الثمن التضحية بأسراه.
وأكد الحية ارتباط المقاومة وسلاحها بوجود الاحتلال باعتبارهما حقا طبيعيا للشعب الفلسطيني، كما رحب بموقف المبعوث الأميركي الخاص لشؤون “الرهائن” آدم بولر بإنهاء ملف الأسرى والحرب معا، مشيرا إلى تقاطعه مع موقف الحركة.
أبعاد الموقف الجديد
ويرى المحلل السياسي سعيد زياد أن هذا التحول في موقف حماس ليس مجرد تكتيك تفاوضي، بل هو إفشال متعمَّد لسياسة نتنياهو القائمة على “سحب ورقة الأسرى تدريجيًا عبر اتفاقات مؤقتة، مع استمرار الإبادة والتجويع والضغط نحو التهجير”.
وعدّ زياد في تصريحات عبر قناة الجزرة، أن الموقف الجديد لحماس يتقاطع مع دعوات داخل الشارع الإسرائيلي، بل وحتى مع مواقف رسمية أميركية، مثل تصريحات المبعوث الأميركي آدم بولر، الذي اعتبر إنهاء ملف الأسرى والحرب أمرًا واحدًا لا يتجزأ.
الصحفي الأميركي بيتر روف، الكاتب في مجلة نيوزويك، وصف موقف حماس بأنه “خطوة للأمام”، وتوقع أن تتعامل الإدارة الأميركية مع طرح حماس الذي أعلنه القيادي خليل الحية بإيجابية، كونه يضع خيارًا واقعيًا على الطاولة بدلًا من استمرار الفوضى.
رد الاحتلال: التصعيد أم الخضوع؟
الأكاديمي مهند مصطفى عدّ أن الموقف الجديد لحماس يدفع نتنياهو نحو زاويتين: الأولى تصعيد الحرب بغرض كسر الموقف الفلسطيني، والثانية الخضوع لضغوط الداخل الإسرائيلي والمجتمع الدولي والموافقة على الصفقة الشاملة، لأن “هذا هو مطلب أغلب عائلات الأسرى الإسرائيليين”.
لكن مصطفى حذّر في تعليق له تابعه المركز الفلسطيني للإعلام من أن نتنياهو بات أسيرًا لحكومته اليمينية، وأنه يرى في استمرار الحرب وسيلة لتجنب سقوط حكومته، خاصة أن الذهاب إلى اتفاق يشمل وقف الحرب والانسحاب يعني ضمنيًا اعترافًا بفشل المشروع العسكري والسياسي بعد 18 شهرًا من الحرب.
واشنطن هي كلمة السر
يتفق العديد من المحللين على أن العامل الحاسم الآن هو الضغط الأميركي، وهو الوحيد القادر على دفع نتنياهو نحو إتمام الصفقة الشاملة.
يرى مصطفى أن “نتنياهو لا يستطيع قول لا لواشنطن، إذا قررت الأخيرة فرض هذا المسار كحل نهائي”.
الرسالة الأوضح منذ بداية الحرب
بهذا الطرح، تؤكد حماس أن المعادلة تغيّرت، وأن الصفقات المجتزأة انتهت، وأن أي حلٍّ لا يمر عبر وقف الحرب الشامل، ورفع الحصار، وتبادل كامل للأسرى، لن يُناقش، وتبقى الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن قدرة هذا الخيار على إحداث تغيير في مسار التفاوض.