.

في غزة التفاصيل غير مهمة .. والأمنية وقف الإبادة والعيش الكريم

أخبار حياة – لا يهتم الفلسطينيون في قطاع غزة كثيرا بالتفاصيل السياسية والمصطلحات التفاوضية، نعم هم يتابعون أخبار جولات التفاوض ويتوقون لسماع أخبار تدفعهم خارج أتون المحرقة بالعبور نحو زمان الهدوء ووقف إطلاق النار، لكنهم في المقابل لا يركزون كثيرا في السجالات السياسية والتفاصيل الإخبارية.

فما يعني الفلسطيني في قطاع غزة أن يتوقف شلال الدم وينتهي العدوان، وأن يعرف زمناً وطريقة لإعادة بناء بيته ليعيش فيه مع أبنائه على أرضه التي لن يتركها، مهما ضاقت فيها سبل الحياة وبدت مستحيلة.

منذ الثامن عشر من مارس المنصرم، وبعد مرور شهر على عودة الحرب، والفلسطيني يعيش كابوساً كان يظن أن اتفاق السابع عشر من يناير قد أنهاه، لكنه استيقظ فجأة ليجد نفسه يعيشه بشكل أقسى وأشد ضراوة، وبأقل قدرة على الاحتمال والتكيف، وأصبح أمله الوحيد أن يتوقف العدوان وينقشع غبار الحرب الذي أزكم الأنوف وضيق المعايش وحرم الفلسطينيين في غزة من العيش الكريم على مدار عام ونصف.

آمال وأحلام

“صارت أسمى أمانينا أن نبيت ليلة واحدة بهدوء، أن ينتهي هذا الكابوس، وتتوقف الحرب”، هكذا قال المسن “أبو عمار” وهو عائد من العيادة الطبية لوكالة “أونروا” دون أن يستطيع الحصول على دواء أمراضه المزمنة بسبب نفاد مخزون الأدوية نتيجة الإغلاق المتواصل لمعابر قطاع غزة ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية منذ الثاني من مارس المنصرم.

يؤكد “أبو أحمد”، في حديثه مع مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، أنه يريد وقف الحرب والبقاء في غزة ليموت فيها، ويرفض بأي شكل من الأشكال الخروج منها والهجرة إلى أي مكان، وقال: ” رغم كل هذا البلاء الذي نعيشه، لا يمكن أن نفكر بالخروج من غزة، وكما يقول المثل من طلع من داره بينقل مقدراه”.

ويرى “أبو أحمد” أن الفترة التي عاشها في الحرب بعد استئنافها قبل شهر هي الأصعب من بين فترات الحرب، مؤكداً أنه كان أكثر قدرة على الاحتمال في الفترة الأولى، لكنه اليوم لا يعلم ما الذي يجعله غير قادر على التأقلم مع الواقع الجديد، داعيا الله أن يلهمه وكل سكان غزة الصبر على هذا الواقع الصعب.

ويشاطره “أبو عمر” الحديث عن صعوبة الواقع بعد استئناف الحرب، مؤكداً أن الناس اليوم في غزة ليس لديها من مخزون الاحتمال شيء، وباتت تواقة بشكل كبير جدا لانتهاء الحرب، وهذا قد يدفعها أحياناً للحديث عن وقف الحرب بأي ثمن، لكنها عند الجد، وفق تعبيره، تعود لتؤكد أنها تريد وقف الحرب وهي باقية في أرضها، وفق اتفاق يضمن لها إعادة إعمار بيوتها لتكمل فيها مسيرة حياتها.

“أبو عمر”، في حديثه مع “المركز الفلسطيني للإعلام”، يرى أن الاحتلال لا يريد وقف الحرب، وحتى أنه لا يريد استعادة أسراه، مبيناً أن الاحتلال يريد إخضاع غزة وتفريغها من أهلها، وتهجيرهم، ليتخلص من “صداع غزة” للأبد، وفق قوله، وليستطيع استكمال مخططاته في باقي الأرض الفلسطينية.

ويعتقد “أبو عمر” أن موقفا عربيا جديا موحداً بالوقوف إلى جانب غزة كفيل بوقف الحرب ومطامع الاحتلال، لكنه يستدرك بالقول إن حدوث ذلك اليوم وفي ظل هؤلاء الحكام أمر صعب المنال وقد يكون مستحيلاً.

“أبو أحمد” و “أبو عمر” كلاهما أكدا على ضرورة أن يصر المفاوض الفلسطيني على تحقيق وقف شامل ينهي الحرب مرة واحدة دون رجعة، وألا يعود إلى الاتفاقات الجزئية والمؤقتة، فالناس في غزة لم يعد بإمكانها احتمال وقف الحرب المؤقت ومن ثم العودة لها بشكل أقسى وأعنف.

الاتفاقيات الجزئية مرفوضة

وفي موقف حاسم، رفض رئيس حركة “حماس” في قطاع غزة ورئيس الوفد المفاوض خليل الحية مساء أمس الخميس، ما قال إنها سياسة الاتفاقات الجزئية، التي يستعملها نتنياهو وحكومته غطاء لأجندته السياسية القائمة على استمرار حرب الإبادة والتجويع، حتى لو كان الثامن التضحية بأسراه جميعا.

وأكد، في كلمته المتلفزة، على استعداد الحركة للبدء الفوري في مفاوضات الرزمة الشاملة، بحيث يتم إطلاق سراح جميع الأسرى لدى المقاومة، وعدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، مقابل الوقف التام للحرب، والانسحاب الكامل من القطاع، مع بدء الإعمار وإنهاء الحصار.

وشدد “الحية” أن المقاومة وسلاحها مرتبط بوجود الاحتلال، مؤكداً أنها حق طبيعي للشعب الفلسطيني وكل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال.

ورحب بموقف “آدم بولر” المبعوث الخاص للرئيس الأميركي ترمب بإنهاء ملف الأسرى والحرب معا.

إبادة مستمرة

المكتب الإعلامي الحكومي قال في تقرير إحصائي له اليوم الجمعة، إن عدد الشهداء والمفقودين تجاوز 62 ألفًا، بينهم 51,065 شهيدًا تم تسجيلهم في المستشفيات، وأكثر من 11 ألف مفقود ما بين شهداء لم تُنتشل جثامينهم أو مصيرهم لا يزال مجهولًا، منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر 2023.

وأوضح التقرير، أن الاحتلال ارتكب أكثر من 12 ألف مجزرة، منها 11,859 مجزرة ضد العائلات الفلسطينية، وأباد بالكامل 2,172 عائلة بمجموع يفوق 6,180 شهيدًا، إضافة إلى 5,070 عائلة لم يتبق منها سوى فرد واحد فقط، بعد استشهاد ما يزيد عن 9,280 من أفرادها.

ووفق الإحصائية، ارتقى خلال الحرب أكثر من 18 ألف طفل، من بينهم 892 طفلًا لم يبلغوا عامهم الأول، و281 رضيعًا وُلدوا واستشهدوا خلال الحرب.

واستشهد أكثر من 12,400 امرأة، في وقت تجاوز فيه عدد المصابين 116,500 جريح، بينهم 4,700 حالة بتر، يشكل الأطفال ما نسبته 18% منها.

وأشار المكتب إلى استشهاد 1,402 من الكوادر الطبية، و113 من الدفاع المدني، و211 صحفيًا، فيما استُهدف 748 عنصرًا من فرق تأمين المساعدات في 157 هجومًا مباشرًا، فيما استُخرج 529 جثمانًا من سبع مقابر جماعية أقامها الاحتلال داخل المستشفيات.

وأظهر التقرير تدهورًا كارثيًا في الأوضاع الصحية، حيث أصيب 2.13 مليون شخص بأمراض معدية بسبب النزوح القسري، و71,338 حالة بعدوى التهاب الكبد الوبائي.

وأكد التقرير وجود 60,000 سيدة حامل مهددة بسبب انعدام الرعاية الصحية، و22,000 مريض ينتظرون العلاج في الخارج وسط استمرار منع الاحتلال لسفرهم.

ووثق التقرير تدميرًا واسعًا للبنية التحتية، إذ دمّر الاحتلال نحو 165 ألف وحدة سكنية كليًا، و115 ألفًا بشكل بالغ، و200 ألف جزئيًا، إضافة إلى تدمير 828 مسجدًا و3 كنائس، و224 مقرًا حكوميًا، و206 موقعًا أثريًا وتراثيًا.

وعلى صعيد التعليم، استشهد 13 ألف طالب وطالبة و800 معلم وموظف تربوي، ودُمرت 506 مؤسسات تعليمية بين كلي وجزئي، فيما حُرم 785 ألف طالب من التعليم.

أما القطاع الصحي، فقد شهد تدمير 38 مستشفى و81 مركزًا صحيًا، إضافة إلى استهداف 144 سيارة إسعاف، و54 مركبة دفاع مدني، فيما تجاوزت خسائر الحرب المباشرة 42 مليار دولار، وسط دمار يطال أكثر من 88% من مساحة القطاع.

والسؤال الذي يبقى في انتظار الإجابة العملية.. متى يتوقف العدوان ومتى تنتهي حرب الإبادة، ومتى يعيش الناس في غزة دون قتل وتشريد وتجويع وحرمان من أبسط مقومات الحياة الإنسانية؟