ماهر أبو طير
كل التحذيرات حول المسجد الأقصى، تمر وكأنها مجرد تحذيرات من منخفض جوي سيعبر العالم العربي، وسيتبدد أثره سريعا، فلا أحد يهتم، ولا أحد يدرك المآلات.
التحذيرات كانت مبكرة جدا، منذ تأسيس الاحتلال، مرورا بحرق منبر صلاح الدين الأيوبي، وصولا إلى منع الصلاة وإغلاقات المسجد، والاقتحامات التي كانت متقطعة، وأصبحت يومية، ثم دخول نواب الكنيست والوزراء إلى الحرم القدسي، وتثبيت حالة الاقتحام اليومية، والتقاسم الزمني، ولم يبق سوى التقاسم المكاني وهو مقبل على الطريق، في ظل ما نراه من تداعيات على كل الإقليم، ودول المنطقة فيه.
لقد قيل مرارا إن القصة ترتبط بعنصرين، الأول ديني بما يمثله الموقع للاحتلال، ومشروعه المدعوم سياسيا وعسكريا ودينيا، بشطب الهوية الإسلامية للموقع، من خلال مشاريع قرارات قد تؤخذ في أي توقيت داخل الكنيست لشرعنة تقاسم الحرم القدسي، أو من خلال ترك المجال لأي مجموعة إسرائيلية لهدم الأقصى من خلال عمل إرهابي، أو تلغيم من تحت المسجد، فيما العنصر الثاني سياسي، ويرتبط بشطب هوية القدس العربية والاسلامية والمسيحية ايضا، وتهويد المدينة، لتكريس كونها عاصمة سياسية لإسرائيل دون أي حضور ثان يرتبط بالسياق السياسي والديني للمدينة.
لقد رأينا قبل أيام أكبر موجة اقتحامات في تاريخ القدس، عشرات الآلاف اقتحموا الأقصى من مواقع عدة، بما فيها حائط البراق، وهي اقتحامات تضاف إلى عمليات الاقتحام قرب مسجد قبة الصخرة، والمسجد القبلي، وإذا كانت إسرائيل تختبر رد الفعل العربي والإسلامي، وتكتشف أن لا صد ولا رد، في ظل نظام عربي وإسلامي متفرج وحيادي، فإن من المؤكد أن وتيرة الأحداث ستتزايد خلال الفترة المقبلة، وسترتفع مؤشرات الخطر على المسجد الأقصى، في ظل اعتقاد العرب للأسف أن هدم المسجد سيؤدي إلى رد فعل غاضب، فيما الواقع يقول إننا سنكون فقط أمام مظاهرات مليونية في كل مكان، لن تغير من الأذى في حال وقوعه على الأقصى.
هذا يعني أن ملف الأقصى بحاجة إلى إدارة مختلفة جدا، عن الإدارة السابقة، التي تجدول الأزمة وتستثمر في الوقت وفيما يسمى عدم جرأة الاحتلال على استهداف الأقصى، وهذه مراهنة خاسرة، لأننا أمام احتلال اليوم في أبشع حالاته بدعم أميركي وغربي كامل، وبعد الذي رأيناه في غزة، وما نراه داخل الضفة الغربية من حيث مخطط شطب كل مخيمات اللجوء، سنكون قريبا أمام ملف القدس، في ظل سلطة ضعيفة في رام الله، تساعد الاحتلال، حتى تبقى، ولن تبقى، ولا تجد حلا سوى التنديد بما يجري في القدس، حالها حال أي دولة عربية أو إسلامية، وكأنها مجرد صديق من شرق آسيا يتعاطف مع أهل المنطقة في قضاياهم.
لقد مرت كل التحذيرات السابقة، وثبت أنها تحذيرات صادقة تماما، ولم تكن تهويلا، واليوم نعود ونحذر مما هو مقبل على صعيد الأقصى، وما قد يرتد على القدس ذاتها، لنسأل عما يتوجب فعله، وما قد يحدث خلال الفترة المقبلة، في الوقت الذي يوزع فيه المتطرفون الإسرائيليون الفيديوهات المؤرخة بعام 2026، والتي يظهر فيها نسف مسجد قبة الصخرة وإقامة الهيكل، وهذا قليل من كثير، والمخفي أعظم بطبيعة الحال، لكن المؤكد أننا اقتربنا من الخطر الأكبر الذي جدولناه، وبات في وجوهنا.
كل التحذيرات حول المسجد الأقصى، لم يصدقها أحد عند إثارتها، لكنها حدثت على أرض الواقع، وها نحن في وجه السيناريو الأخير في الأقصى، فانتظروا.