«الأرض الأردنية» تثمر نمواً!

د. رعد محمود التل

يتصدر القطاع الزراعي المشهد مؤخراً كمحرك أساسي للنمو وعامل مهم لتمكين التنمية، ليقود النمو الاقتصادي الاجمالي للاقتصاد الاردني بنسبة 6.9% خلال العام الماضي ويحقق نمواً مقداره 8.4% خلال الربع الرابع من العام 2024. وبزيادات متتالية طوال العام 2024، فالربع الاول حقق زيادة في النمو 5.7%، اما الربعان الثاني والثالث فحققت معدلات نمو 6.2%، 6% على التوالي!

أهمية هذا القطاع لا تغيب عن احد، ويتضح تماماً أن هناك نمواً ملحوظاً لهذا القطاع المهم والحيوي والذي يشكل حجر الزاوية في منظومة الامن الوطني، فالقطاع الزراعي مرتبط بحوالي 23.5% من النشاط الاقتصادي (ترابطات أمامية وخلفية)، كما أن 27% من الانتاج الزراعي مخصص للتصدير، وحوالي 52% من مستلزمات الانتاج محلية الصنع!

من المؤشرات المهمة والتي شهدت زيادة غير مسبوقة، مؤشر الصادرات الزراعية والذي بلغ ما يقارب 1.526 مليار دينار صادرات زراعية خلال العام 2024 مقارنة بحوالي 1.1 مليار دينار للعام 2023 بزيادة تقارب 39% (426 مليون دينار) وتمثل السعودية والكويت والعراق أعلى ثلاثة أسواق تصديرية بما يشكل 62% من حجم الصادرات.

ولعل السؤال الابرز والاهم عن أسباب هذا التحسن والتطور بهذا القطاع؟ لا شك أن الجهد العملي الكبير الذي تقوم به وزارة الزراعة هو الاساس في هذه المعادلة والمنبثق عن أهداف الاستراتيجية الوطنية للزراعة من دعم للتعاونيات، وتنظيم معارض لتبادل الخبرات، وتحقيق شراكات فاعلة مع القطاع الخاص.

كما أن الجهود المميزة في الكوادر البشرية تشكل عاملاً رئيسياً ساهم في تحقيق هذا النمو المتسارع، من خلال تدريب وتوظيف المهندسين الزراعيين، وتوظيف الاطباء البيطريين ورفع كفاءة وجودة الانتاج وانشاء المزيد من المصانع (20 مصنعاً).

يعمل بالقطاع وحسب تقديرات سابقة ما يقارب 80 ألف عامل يشكلون حوالي 5% من القوى العاملة في الاردن، يمثل الاردنيون منهم حوالي 40%. صحيح أن القطاع الزراعي قد فقد خلال العقد الاخير ما يقارب 33 ألف عامل به ليشهد بذلك أكبر خسارة للعمالة بين القطاعات، إلا انه عاد مؤخراً ليستقطب المزيد من العمالة وليساهم أكثر في النتاج المحلي الاجمالي!

رؤية التحديث الاقتصادي اعتبرت الزراعة والأمن الغذائي من محركات التنفيذ الثمانية الاساسية، وصنفت الزراعة من الصناعات عالية القيمة وهي كذلك، فحجم القيمة المضافة في الاقتصاد عالية، فدورة الحياة بالقطاع الزراعي متنوعة ومتشابكة من المَصدر الى المستهلك، مروراً بالانتاج، والتحول، والتصنيع، والتجارة. وقد أشارت الرؤية إلى أنه ومن خلال 9 مبادرات أساسية تهدف لتحسين مستوى الأمن الغذائي المحلي، وإطلاق حملة لتسويق الصناعات الغذائية وترويجها محلياً ودولياً.

أحد أبرز التحديات التي تواجه هذا القطاع أن الأراضي الصالحة للزراعة تعاني من شح المياه والافتقار إلى الموارد الكافية. فالقطاع الزراعي يستهلك ما يزيد على 50% من الاحتياجات المائية للمملكة، وهذا يزيد من احتمالية الاستفادة من مياه الصرف الصحي. ولأن غالبية قطع الأراضي مجزأة وضمن ملكيات صغيرة، فإن القطاع يفتقر إلى التنظيم ويتسم بمحدودية إنتاجيته للمحاصيل. وعلى الرغم من أن الأردن يقع إلى جوار أسواق تشهد طلبا مرتفعًا على الغذاء، فإن انخفاض الإنتاجية ببعض المحاصيل وارتفاع الكلفة يؤثران سلبا في قدرته التنافسية لتلبي? احتياجات تلك الأسواق.

من الضروري الاستمرار بالتركيز على القطاع الزراعي، فقد حقق خلال العقد الأخير أرقام نمو تضاعفت وبأعلى معدل نمو (101%)، مضيفاً ما يقارب 1.5 مليار دينار للناتج المحلي الاجمالي. وقد مر زمان بلغنا به من الوعي والفهم لأهمية هذا القطاع ذروته، حين ارتبطت بها وزارة الزراعة برئيس الوزراء مباشرة (تماماً كوزارة الدفاع) لما يشكله هذا القطاع من أساس لمفهوم الامن الغذائي وأهميته ومكانته في الصورة الكاملة لمنظومة الأمن الوطني! ما نتمناه أن يبقى ويستمر هذا التحسن الملموس في قطاع الزراعة في الاردن بنفس الزخم ونفس الروح العالية!