أخبار حياة – في قلب الجنوب الفلسطيني، وتحديدًا شمال مدينة خان يونس، تقع بلدة القرارة، تلك البلدة الزراعية الوادعة التي لطالما شكّلت ملاذًا للمزارعين ومركزًا للحياة الريفية الهادئة. لكن هذه الصورة تغيّرت تمامًا منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، حيث تحوّلت القرارة إلى ساحة من الدمار والخوف، وذاقت كما غيرها من بلدات القطاع مرارة القصف والنزوح والحرمان.
منذ الأيام الأولى للعدوان، لم تسلم منازل القرارة ولا مدارسها وأراضيها الزراعية من نيران الاحتلال، فطالت الغارات الجوية والمدفعية البنى التحتية، ودمّرت مساحات واسعة من المزروعات، كما اضطر مئات العائلات إلى الفرار تحت القصف، بحثًا عن مأوى مؤقت يفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة.
وحول العدوان الإسرائيلي البلدة إلى منطقة منكوبة، دمرت فيها البنية التحتية، وجُرفت أراضيها الزراعية، وهُدمت منازلها، في محاولة واضحة لتهجير سكانها قسرًا، مستغلًا موقعها الحدودي.
وسط هذا المشهد الإنساني الكارثي، يقف أهالي القرارة بصمود نادر، في محاولة للحفاظ على ما تبقى من كرامة ووجود، في ظل حصار مشدد، وانقطاع للكهرباء والماء، وانعدام المساعدات الإنسانية.
القرارة.. أرض زراعية تحولت إلى خراب
تشتهر القرارة بمساحاتها الزراعية الشاسعة التي كانت تضم أشجار الزيتون والحمضيات، إلى جانب محاصيل الحبوب والبقوليات. إلا أن الاحتلال جرف 60% من أراضيها، ودمر 6000 وحدة سكنية بالكامل، فيما لحقت أضرار جزئية بـ4000 وحدة أخرى، وفق ما أفادت به بلدية القرارة.
كما استهدف الاحتلال 15 بئرًا ارتوازيًا كانت تغذي البلدة بالمياه، إلى جانب تدمير خزان رئيسي للمياه، وعشرات الآبار الخاصة التي كانت تروي الأراضي الزراعية.
عبد الله الفرا، أحد المزارعين المتضررين، أكد أن أرضه التي تبلغ مساحتها 40 دونمًا دُمرت بالكامل، وأصبحت غير صالحة للزراعة بسبب تجريف التربة ونسف الأشجار، ومنها أشجار زيتون عمرها يفوق المئة عام.
وأضاف: “نزحنا على أمل العودة، لكننا وجدنا أكوامًا من الركام وأغصانًا متكسرة، الأمر الذي يجعل استئناف الحياة هنا شبه مستحيل”.
هدم المنازل بطريقة ممنهجة
لم يقتصر التدمير على الأراضي الزراعية، بل امتد ليشمل البيوت والمباني السكنية.
طارق عبد الإله، أحد سكان القرارة، أوضح أن الاحتلال تعمد استهداف الأعمدة الرئيسية في منزله المكون من سبعة طوابق، ما جعله آيلًا للسقوط، ما اضطره إلى مغادرته نهائيًا.
أما عبد الكريم صالح، فقد عاد إلى أرضه خلال وقف إطلاق النار ليجدها قاحلة، بلا أشجار أو ظلال، بعدما كان يملك بئر مياه تغذي المنطقة. وقال بحزن: “لم أتعرف على أرضي بعد الدمار الهائل، وكأنها لم تكن موجودة من قبل”.
القطاع الزراعي في خطر
سعيد شبير، الذي كان يمتلك ست مزارع دواجن ومزرعتين لإنتاج البيض، فقد مشروعه بالكامل جراء القصف والتجريف.
وأكد أن تدمير مزارع الدواجن والأغنام وإنتاج العسل سيجبر القطاع على استيراد اللحوم المجمدة لسنوات، بسبب فقدان البنية التحتية للإنتاج المحلي.
منطقة حدودية محفوفة بالمخاطر
ولا تزال القرارة وغيرها من المناطق الحدودية في خطر دائم، حيث يطلق الاحتلال النار على كل من يحاول الاقتراب من أراضيه الزراعية، ما أدى إلى ارتقاء العديد من الشهداء وإصابة عشرات المواطنين.
وسط هذا الدمار، لا يزال أهالي القرارة وسكان قطاع غزة ينتظرون حلولًا تضمن لهم العودة إلى أراضيهم وحياتهم التي سلبها الاحتلال.