منعطف الأردن الأمني وتحديات الدولة

د.عامر سبايلة

الحدث غير المسبوق، شكلاً وأسلوباً، الذي شهده الأردن الأسبوع الفائت بالإعلان عن شبكة تنظيمية من مواطنين أردنيين كانت تعمل على تخزين وتصنيع أسلحة غير تقليدية وترتبط عملياتياً بتنظيمات إقليمية، يفتح الباب واسعاً أمام خطوات غير اعتيادية في الداخل الأردني. فالحدث، من الزاوية الأمنية، خطير ولا يمكن التغاضي عنه، كما لا يُمكن التعامل معه فقط من المنظور الأمني نظراً لما يحمله من أبعاد سياسية ومجتمعية، وهو ما يفرض استحقاقات لا بد أن تتضح معالمها في الأيام القادمة على المستويين الأردني والإقليمي.

من اللافت أن حيثيات هذه العملية وتشعّباتها قد تنعكس أيضاً على الساحة اللبنانية، التي تعيش بدورها حالة بحث عن استعادة مفهوم الدولة.

ارتباط ما جرى في الأردن بمحطة عملياتية في لبنان، يؤشر إلى أن قضية السلاح الخارج عن سيطرة الدولة لم تعد قضية محلية فحسب، بل جزء من مشهد إقليمي متداخل يُعيد تسليط الضوء على واقع التنظيمات المسلحة في لبنان، ويجعل مستقبلها وسلاحها مطروحاً للنقاش، كما هو الحال في سورية التي تعيش أوضاعاً مشابهة من حيث تعدد القوى الخارجة عن سلطة الدولة.

في هذا السياق، يصرّ البعض على تبرير الفعل وإضفاء صفة “المقاومة” عليه، متناسين أنه لا يوجد أي مبرر لحمل أو تخزين السلاح في بلد مؤسسات كالأردن، وليس بلداً للمليشيات. يتجاهل هؤلاء جوهر الدولة ومعنى السيادة، فحمل السلاح يجب أن يكون حكراً على الدولة، ولا يوجد أي مسوّغ قانوني أو أخلاقي لتحول الأفراد إلى العمل المسلح أو للتدريب على أراضٍ أردنية.

ولعل هذا المنطق المقلوب في مقاربة الأمور هو ما يتبناه عدد من الأصوات. ما زلت أستذكر مقابلة تلفزيونية مع ضيف إيراني كان يصرّ على أن الأردن ليس مستهدفاً من قبل إيران، بل يدافع عن نقل وتخزين السلاح في الأردن بحجة أن الهدف هو التهريب وليس استخدامه داخل المملكة. وكأنّ في ذلك ما يبرر الخرق والسيادة!

وفي إطار المراجعة الضرورية، لا بد من التوقف عند الأخطاء التي ارتُكبت في السنوات الماضية في التعامل مع قطاعات مجتمعية واسعة، نتجت عن سياسات أغفلت الواقع، وتركت فراغاً ملأته أيديولوجيات ظنت أنها قادرة على صياغة الهوية المجتمعية والسيطرة الثقافية على كافة المكونات. وكان لتماهي بعض السياسات الحكومية مع تلك الأيديولوجيات دور في تمكينها، حتى باتت بعض التنظيمات تظن أنها المرجعية السياسية الوحيدة للمجتمع، تملي عليه مفاهيم الصواب والخطأ.

ما جرى هو حدث مفصلي ستكون له تداعيات سياسية ومجتمعية عميقة، ولا يمكن التعامل معه كحدث عابر، بل يجب أن يكون لحظة انطلاق نحو مرحلة جديدة، تكون فيها الدولة هي البوصلة، والمشروع الوطني الشامل ضرورة لا يمكن تأجيلها. الهوية الوطنية، بمكوناتها ومركّزاتها، يجب أن تكون الأساس في إعادة بناء وعي المجتمع، والقانون يجب أن يكون المرجعية الوحيدة، لا الروايات ولا الأيديولوجيات.

فإذا ما اعتُبرت هذه الحادثة لحظة عبور نحو تحولات في أسلوب الدولة في التعاطي مع القضايا المختلفة، فإن الأولوية اليوم يجب أن تكون للقضايا الداخلية، وهذا يستدعي تطوير خطاب جديد يركّز على الهوية الوطنية كمرجعية وحيدة للدولة. وهو مشروع، وإن كان طويل الأمد، إلا أن البدء به لم يعد خياراً بل ضرورة. فلا مكان لهويات عابرة للحدود، ولا لمن يوظفون أيديولوجياتهم كبوصلة للمجتمع.

علينا أن نُدرك أن دولة قوية، بمؤسسات قوية، تحتاج إلى سردية متماسكة ومرتكزات ثقافية راسخة. ومن هنا، نحن أمام تحدٍ وجودي لا نملك إلا أن ننتصر فيه. بعيداً عن الطائفية وانقساماتها التي تعصف بالمنطقة، يبقى الفكر المؤسسي هو الأساس الحقيقي لاستقرار المجتمع. وعلى الدولة أن تؤمن أن المشروع الوطني هو حجر الزاوية، والمضي فيه مسؤولية كبرى لضمان مستقبل آمن ومستقر. ولا ننسى أن استعادة ثقة المجتمع تتطلب مشروعاً واضح الملامح، وجلاء في رؤية الدولة وطريقة عرضها.