الأكاذيب والشائعات.. رصاصات يطلقها الكيان فتصيب مصداقيته في مقتل

أخبار حياة – بواسطة تقنيات حديثة وبرامج الذكاء الاصطناعي استطاعت كيان الاحتلال أن تحقق أهدافًا في عدوانها على قطاع غزة، وفي القلب منها التدمير الشامل لكل مظاهر الحياة فيه، واستطاعت كذلك من خلال تلك التقنيات أن تحقق هدفًا رئيسيًّا لطالما برعت فيه، وهو نجاح عمليات الاغتيال الجبانة لشخصيات داخل الأراضي المحتلة أو خارجها، لكن رغم ذلك لم تنفعها تقنياتها وأدواتها الاستخباراتية في إقناع الرأي العام بالروايات الكاذبة التي تسوقها لإظهار قوتها وتقدمها من ناحية، ولإضفاء شرعية على جرائمها التي حوّلتها من ضحية في عيون المغيبين إلى كيان وحشي يقتل الأطفال والنساء، ويستحق النبذ والمساءلة أمام المحاكم الدولية.
فعلى الرغم من رواية الهولوكست التي استمالت بها كيان الاحتلال عواطف الكثيرين من الغرب، على المستويات الرسمية والنخبوية والشعبية، كونها رواية تفتقد إلى التوثيق المتنوع الذي يشهده عالمنا المعاصر، فإنها، ومن خلال فضح أكاذيبها وتهافت رواياتها خلال تلك الحرب الدموية التي تخوضها على جبهات المقاومة منذ عام ونصف، ضربت مصداقيتها في مقتل، وساعدت كل من صدّقوها بالأمس على أن يكذبوها اليوم، بعد ما رأوا من افتضاح شائعاتها بالصوت والصورة.
في المقابل، أدارت المقاومة الفلسطينية معركتها الإعلامية بمهارة فائقة، من خلال اعتماد الروايات الصادقة دون تهوين أو تهويل، ووثّقت معظم رسائلها بما يُتاح لها من وسائل بسيطة وسط هذا الكم المخيف من الحصار والرقابة، الأمر الذي أسهم في اعتماد الرأي العام لكل كلمة تصدر عن الناطقين الرسميين باسم المقاومة، في مقابل تكذيب كل ما يصدر عن قادة الاحتلال وناطقيه الرسميين من تصريحات وروايات ووعود.
نفق (بل خندق) فيلادلفيا
وأسهمت معركة طوفان الأقصى أيضًا في أن تكشف خبايا الصراع السياسي داخل نخبة كيان الاحتلال، ما جعل بعضهم يُكذّب رواية بعض، وكان آخر تلك المواقف، ما كشفه وزير جيش الكيان السابق يوآف غالانت بأن الصورة المشهورة، التي نشرها جيشهم (وقت أن كان وزيرًا) لما قال إنه نفق ضخم في محور فيلادلفيا جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر وعمقه عشرات الأمتار تحت الأرض، كانت كاذبة.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن غالانت قوله إن النفق لم يكن موجودًا في الأصل، وإن ما عثر عليه هو خندق عمقه متر واحد فقط، مؤكدًا أن الصورة استخدمت حينها لتسويق وجود أنفاق في محور فيلادلفيا من أجل المبالغة في أهمية طريق فيلادلفيا ولتأخير صفقة تبادل الأسرى.
وتعود الصورة المذكورة إلى أغسطس/آب الماضي، حين نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، وزعمت تل أبيب حينها أنها اكتشفت نفقًا ضخمًا للمقاومة الفلسطينية يبلغ ارتفاعه عدة أمتار، فيما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية حينها عن إنجاز كبير يتمثل في اكتشاف النفق الضخم المكون من 3 طوابق، الذي قالت إنه من ضمن البنية التحتية الواقعة تحت الأرض والتي أدهشت الجنود الإسرائيليين.
“في صدر نتنياهو”
وقال غالانت إن “الغرض من نشر الصورة هو تأكيد أهمية محور فيلادلفيا وإظهار أهميته وكونه معبرًا للسلاح إلى غزة، وهو ما يخالف الواقع”، فيما أظهرت صورة النفق، التي نشرها جيش الاحتلال، مركبة عسكرية وهي تخرج من النفق المذكور الذي لم يكن في الواقع إلا قناة عادية لتصريف المياه.
اعترافات غالانت -التي قوبلت بصمت تام من قادة الاحتلال، ولم يُكذّبها أحدهم- رغم أنها تدينه -كونها اعترافات تدل على مشاركته شخصيًّا في ترويج تلك الكذبة (إذ كان وزيرًا للجيش وقتها)- وصفها الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء فايز الدويري، بأنها إلقاء للرصاص على قدمي غالانت، وفي صدر نتنياهو.
وأضاف الدويري -في تحليله العسكري على شبكة الجزيرة- أن هذا الاعتراف يعطي دلالة للرأي العام الإسرائيلي أن جيش الاحتلال منسجم مع المستوى السياسي في الرغبة بعدم إنهاء الحرب، وأن الالتجاء لتسويق مثل هذه الروايات يكون بهدف تحقيق أهداف سياسية يديرها نتنياهو، وأن مسؤولي جيش الاحتلال -سواء كان وزير الدفاع أو رئيس الأركان أو المتحدث باسم الجيش- ما هم إلا موظفون عند نتنياهو، وأنه بنفسه يدير المعركة وليس العسكريون.
مجزرة المسعفين
هذه الاعترافات التي أدلى بها غالانت لم تكن أول افتضاح لكذب روايات الاحتلال، بل سبقتها حوادث عديدة لم يكن بإمكان جيش الاحتلال التهرب منها؛ حيث سبقتها بأيام قليلة فضيحة كذب رواية الاحتلال بشأن مجزرة المسعفين التي وقعت في رفح في الـ 23 من مارس/آذار الماضي.؛ حيث أظهر مقطع فيديو حصلت عليه صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، من هاتف أحد المسعفين الفلسطينيين الذين عُثر عليهم في مقبرة جماعية في رفح جنوبي قطاع غزة، مزاعم وأكاذيب الرواية الإسرائيلية حول تلك المجزرة.
فبعد انتشال الهلال الأحمر الفلسطيني جثامين 15 مسعفًا، بينهم 8 من طواقمه و6 من الدفاع المدني وموظف يتبع وكالة أممية، استُشهِدوا في إطلاق نار لجيش الاحتلال الإسرائيلي على سيارات إسعاف في تل السلطان في رفح جنوبي قطاع غزة، قالت الأمم المتحدة إن الشهداء كانوا من مسعفي الطوارئ الذين استجابوا لنداءات استغاثة من فلسطينيين في جنوب غزة، بينما وصفهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنهم “إرهابيون”.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي ادعي أن قواته أطلقت النار على سيارات إسعاف في قطاع غزة بعدما اعتبرها “مشبوهة”، وأن المركبات كانت “تتحرك بشكل مريب” دون تشغيل الأضواء أو إشارات الطوارئ.
الرواية كاذبة
إلا أن الرواية الإسرائيلية التي لم تجد قدمين تتكئ عليهما، كذبتها صحيفة “نيويورك تايمز”، في تقرير لها؛ حيث قالت إنها حصلت على فيديو يظهر لحظة استهداف المسعفين من قبل جيش الاحتلال من دبلوماسي كبير في الأمم المتحدة، وأنها تحققت من موقعه وتوقيته.
وأضافت الصحيفة أن الفيديو يدحض الرواية الإسرائيلية، إذ يُظهِر بوضوح سيارات الإسعاف وشاحنة الإطفاء التي كان على متنها عناصر الإسعاف والدفاع المدني الـ 15، مشيرة إلى أن مصابيح الطوارئ في المركبات كانت مشغّلة لحظة استهدافها.
وأكدت أن صوت المسعف يُسمع في الفيديو وهو يردد الشهادة أثناء إطلاق النار، كما نقلت عن المتحدثة باسم الهلال الأحمر الفلسطيني نبال فرسخ، قولها إن المسعف الذي صوّر الفيديو كانت عليه آثار الإصابة برصاصة في رأسه.
عقب تلك الفضيحة التي أظهرتها الصحيفة الأمريكية سارع جيش الاحتلال إلى محاولة استغلال التفاصيل الجديدة لتبديل روايته الأولى حول الجريمة، مُدعيًا أنه فتح تحقيقاً لفحص الأدلة.
شائعات معركة “الطوفان”
لنعد إلى بدايات الحرب؛ حيث الروايات المتعاقبة لقادة الاحتلال التي لاقت رواجًا واسعًا حينها، بل وتبناها البيت الأبيض، متمثلا في الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وذلك بهدف شرعنة عملية الإبادة الجماعية التي قرر جيش الاحتلال تنفيذها بموافقة أمريكية كاملة.
تقول الرواية الإسرائيلية إن حركة حماس قامت -في يوم السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023- بقتل عشرات الأطفال، وقد عثر الجيش الإسرائيلي على 40 طفلًا مقطوعي الرأس في غلاف غزة، هذا بالإضافة إلى الادعاء بأن مقاتلي حماس نفذوا عمليات اغتصاب جماعي للنساء والتمثيل بالجثث داخل معسكرات ومستوطنات الغلاف.
تصريحات المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية بشأن هذه الرواية وضعت الحكومة وحلفاءها في مأزق أمام الرأي العام العالمي؛ حيث أشار مسؤولون في الإدارة الأمريكية، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مشاهدتهم لصور لأطفال رضع في إسرائيل قتلوا بالرصاص، وانكشفت الحقيقة بعدما نوهت الخارجية الإسرائيلية إلى أنها لم تتمكن من تأكيد تقارير قتل حماس لأطفال جنوب البلاد.
أما البيت الأبيض فنفى في تصريحات لاحقة -عقب افتضاح الرواية- أن يكون الرئيس بايدن قد اطلع على صور لأطفال مقطوعي الرؤوس، مشيرًا إلى أنه (بايدن) اعتمد في تصريحاته على رواية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
الأكاذيب تتهاوى
قبل ذلك -وعقب عودة جيش الاحتلال إلى السيطرة على مستوطنات الغلاف (موقع معركة طوفان الأقصى)- سارع قادة الجيش باستعداء صحفيين وناشطين إلى تلك المستوطنات لتنقل على ألسنتهم رواياتها التي أرادت من ورائها استعطاف الرأي العام العالمي تمهيدًا لارتكاب المجازر بحق كل ما هو فلسطيني في قطاع غزة.
انسجامًا مع ذلك التوجه، قام الناشط الإسرائيلي حاييم أوتمازغين، بالترويج لرواية اغتصاب مقاتلي القسام للنساء في تلك المستوطنات، لتقوم بعدها الصحافة العالمية باعتماد روايته في ترويج تلك الشائعة من دون تحقق، حتى عنونت الصحيفة الأمريكية “وول ستريت جورنال” أحد أعدادها الصادرة في الأيام الأولى للحرب بالقول: “قتل وعنف جسدي وتعذيب في السبت الأسود من السابع من أكتوبر”.
وبعد تسارع الروايات المضادة لتلك الدعاية الإسرائيلية السوداء، خرج الناشط أوتمازغين (مروج رواية الاغتصاب)، لينفي ما روّجه، ويعترف بأنه اتضح له أن “الأمر لم يكن كذلك”، وفق تعبيره.
لتتوالى بعد ذلك سلسلة من فضح تلك الأكاذيب، والتي من بينها قيام الصحفي الإسرائيلي أورنين زيف -الذي شارك في جولة الصحفيين في مستوطنة كفار عزة- بتكذيب الرواية المتعلقة بقطع رؤوس الأطفال، وإعلان ذلك على حسابه على منصة “إكس”، ما اضطر جيش الاحتلال فيما بعد لتبني نفي تلك الروايات بشكل رسمي، ولكن في الوقت نفسه أطلق العنان لإعلامييه وناشطيه بترديدها على القنوات التلفزيونية والصحف.