Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اقتصاد

«تقلبات ترامب».. تهديد قوي لاستقرار الأسواق المالية العالمية

أخبار حياة –عادة ما تتأرجح مؤشرات معنويات السوق بين الخوف والجشع، لكن الوضع الراهن يتجاوز هذين الأمرين، فقد أصبحنا في عالم يعاني من كثير من الارتباك والكوارث المحدقة، ويقف المستثمرون حائرين أمام خطواتهم التالية. إنه عالم مُنهِك ومُثير للضيق، تزداد فيه فرص خسارة الأسواق للأموال، ويبدو أنه سيستمر على هذا المنوال لفترة طويلة.

وبرع محللو «رابوبنك» هذا الأسبوع في التعبير عما يحدث، فقالوا: «إنه وراءك! لأت. لم يعد كذلك!»، ولعلك تعلم أنه ليست ثمة جوائز مقابل التعرف على الشخصية الرئيسية في هذه القصة، فهو دونالد ترامب، الذي تتسم إعادة حساباته ومراجعاته عالية المخاطر للسياسة الاقتصادية بسرعة شديدة حتى إنها تكاد لا تحصى بسبب كثرتها.

وإذا أردنا تسليط الضوء على واحدة من أبرز هذه التغييرات، فقبل ما يزيد قليلاً على الأسبوع أعلن الرئيس الأمريكي عبر حسابه على منصة «تروث سوشيال» أن «فصل» رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الذي وصفه بأنه «شديد البطء»، لم تكن لتأتي بهذه السرعة، وكان هجوماً سافراً وأهوج على واحد من أهم المناصب في فضاء التمويل العالمي. وفي وقت لاحق طرح صحافي سؤالاً على ترامب عما إن كان يحاول إزاحة باول عن منصبه، فأجاب: «بلى»، وتابع: «إن أردت إقصاءه عن منصبه فسيتركه على وجه السرعة، صدقني في ذلك».

دع عنك ولو للحظة أن هذا ليس صحيحاً في الوقت الراهن، فترامب ليس بإمكانه إقالة باول قبل انتهاء فترة ولايته بعد عام من الآن، ما لم تجد إدارة ترامب ثغرة قانونية تمكنها من القيام بذلك. وعلى أية حال فقد شجعتنا التطورات الأخيرة، وبصورة مفاجئة، على ألا يساورنا القلق حيال ذلك، فبحلول يوم الثلاثاء الماضي أخبر ترامب الصحافيين أنه لا توجد لديه «أي نية» لإقالة رئيس الفيدرالي، وكأن الفكرة لم تراوده من قبل.

إذن، لم يُصَب أحد بالأذى، أليس كذلك؟ ليس تماماً، فعلى سبيل المثال فقد انكشف السر، وتبين أن استقلالية الفيدرالي قد تقوضت. وما نعلمه في الوقت الراهن وبصورة أكثر يقيناً عن ذي قبل أن ترامب يرغب في رئيس للفيدرالي يخفض أسعار الفائدة في محاولة منه، لإصلاح الفوضى الاقتصادية حتى على الرغم من الخطر المتمثل في معاودة التضخم ارتفاعه من جديد.

علاوة على ذلك فإن هذه القصة المؤسفة برمتها تسببت في موجة من التقلبات للأسواق المضطربة بالفعل، لكن هكذا تقع الحوادث والخطوب في السوق، ففي بادئ الأمر أسفرت هجماته ضد الفيدرالي عن شعور المستثمرين بالتوتر، مما ألقى بظلاله على كل من الدولار الأمريكي، والأسهم، والسندات الحكومية الأمريكية، لكن التراجع عن كل هذا كان له تأثير معاكس، حيث انتعش كل من الأسهم والدولار.

وهذا بطبيعة الحال لم يكن المجال الوحيد الذي تعد فيه الإشارات من ترامب وإدارته غير واضحة، فخلال الأيام القليلة الماضية، قفزت الأسواق بعدما صرح سكوت بيسينت، وزير الخزانة، بأن الحرب التجارية مع الصين «غير مستدامة»، في تلميح إلى تقدم يجري على قدم وساق نحو تخفيف حدة الخلاف، لكن مسؤولين صينيين أفادوا لاحقاً بأنه ليس ثمة مفاوضات مع الجانب الأمريكي. ومن جديد تسبب هذا في اضطراب الأسواق وتقلبها صعوداً وهبوطاً من دون أي يكون هناك يقين بشأن تغير أي شيء. وقد عبر كينيث غريفين، الرئيس التنفيذي لواحد من أكبر صناديق التحوط، عن الأمر بصورة ممتازة منذ أيام، حينما أشار إلى أن المفاوضات بشأن التعريفات تتجه إلى «منطقة عبثية»،

لكن العبث ليس سيئاً بالنسبة للجميع، فشركات التداول، بما في ذلك كبرى المصارف الاستثمارية وشركة «سيتاديل سيكيوريتيز»، التي يترأسها غريفين، تستفيد كثيراً من أحجام التداول الهائلة، بغض الطرف عن الاتجاه العام للتداولات، وصناديق التحوط تحاول، على الأقل، الاستفادة مما يحدث، لكن يخبرني مديرو الصناديق ذوو الآجال الزمنية الأطول بأن أعصابهم تضررت. وبالنسبة لهم فإن أفضل طريقة للتكيف مع الوضع هي محاولة أن يكونوا فطنين، وألا تصدر عنهم استجابات مبالغ فيها تجاه أي شيء، سواء كان إيجابياً أم سلبياً. وتوحي تحركات السوق المستمرة التي عادة ما تكون مدفوعة بالتطورات بأن محاولات التزام الهدوء لا تؤتي ثمارها، ويتبدى لنا هنا أن خطر الإرهاق الذي يواجه المحترفين حقيقي.

وفي محاولة لشحذ الهمم دعونا نركز على الجوانب الإيجابية. وعلى وجه الخصوص يبدو أن الأسواق تفرض قدراً من الانضباط على الرئيس الأمريكي رغم كل شيء، ومن الصعب تصديق أنه من قبيل الصدفة أن ترامب توقف عن الحديث عن تعريفاته «التبادلية»، بعد فترة وجيزة من فشل مزاد السندات الحكومية الأمريكية لأجل ثلاثة أعوام، إذ كان بمثابة إضراب للمُشترين من المستثمرين الأجانب، حسب وصف بعض مراقبي السوق، وبالمثل يبدو أن الرئيس تعلم سريعاً أن المستثمرين سيتخلون عنه إذا فاقم هجماته ضد الفيدرالي، ورغم أن الرئيس ينكر ذلك فإن المستثمرين يعلمون أنه تراجع، وسيتراجع مرات أخرى.

ومع ذلك فإن المستثمرين، الذين يبنون استراتيجياتهم على أساس أي تطورات إيجابية وإن لم تكن قوية، يخوضون لعبة غريبة للغاية، فإنها ليست أنباء «جيدة» أن الرئيس يُحجم عن إقالة باول بالوقت الحالي، بل إن ذلك هو الحد الأدنى، الذي ينبغي أن يكون أي مستثمر توجد في حوزته أي أصول أمريكية قادر على توقعه. وبالمثل ما زالت التعريفات الجمركية العالمية عالية، وفق أي مقياس معقول، بل تتخطى في ارتفاعها ما توقعه أي مستثمر، على الرغم من تراجع ترامب، وركود الاقتصاد الأمريكي خطر داهم، وقدرة الفيدرالي على الاستجابة له محدودة إلى حد ما.

من المهم هنا أن نتذكر أن الرئيس الذي يمكن أن يغير رأيه إلى الجانب الإيجابي بإمكانه فعل العكس من جديد على حين غرة. وحسب ما قاله مارك داودينغ من «بلو سكاي أسيت مانجمنت»: «لقد تراجع الرئيس في معركة، لكنه قد يعاود الكرة من جديد».

وقد يحدث التطور الأكثر خطراً بالنسبة للمستثمرين عندما تكون الأسواق هادئة نسبياً، أو هادئة بما يكفي بصورة تؤدي بالرئيس إلى الاعتقاد أن بإمكانه تجاوز الحدود من جديد، لذلك لن يتمكن مديرو الصناديق من الاستراحة طالما ظل ترامب في البيت الأبيض، وعموماً، أيتها الجموع، لا يزال يفصلنا حوالي 1,360 يوماً عن ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أخبار حياة