
بسام البدارين
المعطيات الواردة لنخبة عمان من واشنطن بعد زيارة وفد وزاري رفيع المستوى بحثا عن تسوية في ملف الرسوم الجمركية تحديدا، تشير إلى أن الصيغة التي استخدمها مسؤولون أمريكيون مع الوفد الأردني قريبة من صياغات التراث المحلي وبعبارات مثل «ابشروا» و«الله يجيب الخير».
غريب جدا أن يجيب مختصون في الإدارة الأمريكية على مطالب محددة باسم الحكومة الأردنية قائلين بأن ملف الرسوم الجمركية عند الرئيس، وأن ما يستطيعون تقديمه للوفد الأردني رفيع المستوى بالمناسبة، هو وضع تقرير بما يطلبه الأصدقاء على طاولة «السيد الرئيس» ما غيره في «أقرب فرصة ممكنة».
تلك المعطيات في الواقع لا تعني إلا شيئا واحدا: الوفد الرسمي الأردني عاد خالي الوفاض من أي التزامات محددة بتنزيلات أو تنازلات أمريكية لها علاقة بتخفيض نسبة الرسوم الجمركية على الصادرات الأردنية.
للتذكير فقط هذه الواقعة تؤشر على أن الدنيا تغيرت أكثر حتى من المتوقع في ظل الرئيس دونالد ترامب الحاكم المطلق الجديد في العالم، وليس في الولايات المتحدة فقط. وللتذكير أيضا لا بد من الوقوف عند بعض المحطات.
الرئيس ترامب لم يستثن الأردن كما فعل مع إسرائيل ومصر من تجميد كل أعمال الوكالة الأمريكية للإنماء، وعندما قرر تجميد المساعدات المالية الخارجية لم يستثن الأردن.
ثم تبرز المحطة الثالثة والأهم: إدارة ترامب عزفت عشرات المرات على وتر تخصيص قطعة أرض لاستقبال مليون مهجر فلسطيني.
وأخيرا في محطة الرسوم الجمركية الأخيرة فرض على الحليف والصديق الأردني نسبة يعلم الأمريكيون أنها سترهق القطاعات التجارية والاقتصادية.
رئيس الوزراء الأردني نظرا لأهمية ملف الرسوم الجمركية قرر التوجه شخصيا إلى واشنطن، وقبل التصرف من أجل مصلحة بلاده وكأنه وزير للمالية واصطحب معه وزراء اختصاص، لكن ما يوحي المشهد به ضمنا خيبة أمل مفترضة. لو كانت الأمطار ستهطل لرصدت بعض الغيوم.
الوفد الرسمي الأردني عاد خالي الوفاض من أي التزامات محددة بتنزيلات أو تنازلات أمريكية لها علاقة بتخفيض نسبة الرسوم الجمركية
حتى لا نظلم المفاوض الحكومي نشير إلى أنه حصل على وعود، لكن بنقل المطالب للسيد الرئيس ترامب فقط.
التجربة تقول إن الولايات المتحدة لم تعد دولة مؤسسات لا عميقة ولا سطحية بل تتحول إلى نظام شمولي مطلق كل الصلاحيات والقرارات فيها بيد خمسة أشخاص يجلسون معا في الليل ويتسامرون مع الرئيس ترامب ويلتهمون الساندويشات، كما أبلغ كاتب هذه السطور خبير مطلع وبدون تناول الكحول.
معنى الكلام واضح، فالقرارات تجاه مصالح الدول الصديقة والحليفة مثل الأردن بيد الصديق الرئيس وزمرته.
لكن ذلك الصديق الرئيس يبتز كل الدول الآن وأردنيا واضح تماما أنه يبدل في القراءات والمعطيات وقواعد اللعب، وبطريقة مرهقة، تدفع الوفد الوزاري الذي زار واشنطن للمرور على دول أوروبية خلال العودة أملا في الحرص على علاقات داعمة ومتينة.
إدارة ترامب لا تلعب بصورة صافية فيما يخص احتياجات ومصالح الأردن، ولا أحد طبعا يفترض أن عمان ينبغي أن ترد أو تحاول بدورها الضغط على إدارة خطرة ومنفلتة، وكل هوامش المناورة متاحة أمام الاستمرار في التفاوض والتجول بين الألغام التي يزرعها الرئيس ترامب يوميا في درب وطريق كل الأصدقاء والحلفاء في المنطقة بما في ذلك الأردن.
جيد إلى حد استثنائي أن الحكومة لديها خبرة متراكمة في التعامل مع المؤسسات الأمريكية، لكن هذه الخبرة تفترض وجود مؤسسات وليس رئيسا و4 ندماء يعبثون بمصالح واحتياجات الجميع. شخصيا أصدق الدكتور مروان المعشر عندما حاول لفت النظر إلى أن الحزب الجمهوري القديم لم يعد موجودا، وكذلك الحزب الديمقراطي.
إرجاء الاستجابة لمطالب الأردن بتخفيض الرسوم الجمركية إشارة هامة لا بد من التقاطها والتعامل معها سياسيا.
نفهم هنا أن الحكومة ليست بصدد لا إرهاق ولا إزعاج ولا إقلاق إدارة ترامب بل بصدد مناشدة الستر إلى جانب حائطه واتقاء شروره وتمرير السنوات الأربع لعهده بأقل الخسائر الممكنة.
يقال ذلك في الواقع في كل الأقنية والأروقة أردنيا. من العبث الاستمرار في التعاطي مع ترامب باعتباره بين الأصدقاء الأوفياء أو حتى يترأس دولة صديقة قادرة على تفهم احتياجات الأردن والدور الأساسي الحيوي الذي تلعبه المملكة في استقرار الإقليم وفي التصدي للتطرف والإرهاب، مع أن مثل هذه المقولات لم تعد بضاعة قابلة للتسويق في سوبرماركت الرئيس ترامب، لا بل قد لا تعود قابلة حتى للعرض على رفوف محلاته التجارية فهو لا يقيم وزنا لا للوقائع ولا للتراث والنشاط الدبلوماسي المكثف في محيط الصف الثالث من إدارته في واشنطن لا يعني في المحصلة قطف مكاسب أو تحقيق منجزات.
امتدح ترامب علنا الشعب الأردني ووصفه بأنه شعب عظيم. لكن تلك العظمة لم تظهر لا في المساعدات ولا في احترام أو تقدير احتياجات الأردن الأمنية أثناء توفير الدعم المطلق لليمين الإسرائيلي.