لم تكن رسالة الملك إلى مدير المخابرات العامة رسالة واحدة، بل العديد من الرسائل، جلها يؤشر على كفاءة القطاع العام، وضرورة نجاح المؤسسات الأردنية كافة في مهامها مع دخول الدولة مئويتها الثانية، مع التشديد على أن ذلك لم يعد خيارا قابلا للنقاش، وإنما منهج لا بد من الإسراع في ترتيب أوراق تنفيذه.
اللافت حقا في الرسالة الملكية ما يتعلق بملف الاستثمار، وهي رسالة توجهت لكل مستثمر محلي وعربي وأجنبي، والتأكيد على أننا في دولة تشهد تقدما وتطورا متواصلا، وأن على المؤسسات المعنية في هذا الملف أن تكون على قدر المسؤولية للقيام بواجباتها بكفاءة عالية، فالتنمية الاقتصادية وتشجيع جلب الاستثمار، من أهم ركائز مسيرة التنمية التي ستخلق فرصا للعمل، وبالتالي ستسهم في الحد من الفقر والبطالة.
وزارات وهيئات وشخوص عديدون مروا على ملف الاستثمار، آخرهم الوزير الحالي الذي بث مقطع فيديو أمس شخّص فيه حال الاستثمار في البلد. الرجل كان واضحا جدا حين أقر بأن المعركة صعبة، مرجعا ذلك لأسباب عديدة، وذاهبا إلى تحميل مسؤوليتها لمن سبقه في الموقع. لكن، ماذا بعد هذا التشخيص؟ الوزير لم يجب على ذلك، وكأن التشخيص بمثابة تبرير قوي بأنه ما من شيء يمكن فعله!
لو أرسلنا فريقا إلى الشارع للالتقاء بالناس وسؤالهم عن كم مرة سمعوا فيها توجيهات ملكية بشأن الاهتمام بالاستثمار، وكم سمعوا بالمقابل وعودا حكومية لا تتحقق في هذا الملف منذ أكثر من عشرين عاما، ومن منهم لم يسمع بأن الوباء في قطاع الاستثمار سببه عدم وجود رؤية واضحة وغياب الحوافز والبيروقراطية والضرائب وقصور التشريعات المتعلقة به. لو فعلنا ذلك لوجدنا أن مستوى المعرفة لدى المواطنين عال جدا.
وعلى شاكلة الاستثمار هناك السياحة والزراعة والصحة والتعليم والنقل. الخراب كبير جدا في هذه القطاعات وغيرها، بحيث وصل إلى حدود من الصعب التعامل معه، أو الاقتراب من إصلاحه. وقد كان أساسه أنه لم يكن هناك أحد جادا في إصلاحه، لنصل اليوم إلى معادلة صعبة. وكما هو معلوم، كلما زاد التعقيد قلت فرص الحل والإنجاز.
القطامين امتطى جوادا عاجزا لا يقوى على سباق من حولنا من دول تخطط وتنفذ وتعلم جيدا كيف تفوز بالإبل، لكن ما دام أنه وافق على أن يكون رأس حربة في هذه المعركة، فعليه أن يكون على قدر هذه المهمة. إن كان لديه حلول فليعلنها. الداء واضح ولا يحتاج إلى شرح، والمطلوب هو الدواء. فهل يملكه وزير الاستثمار؟