“مطرقة وقدوم”.. ترويان حكاية “شهوان” مع النجارة العربية

أخبار حياة – يتوقف المارون في سوق خان يونس القديم جنوبي قطاع غزة، لرؤية المسن ذو اللحية البيضاء يجلسُ منُفردًا مع معداته داخل محلٍ تشققت جدرانه ويمارس من خلفها “النجارة العربية” النادرة.

تلك المهنة ورثها محمود شهوان (70 عامًا) الشهير في السوق بـ”أبو أحمد” من أجداده وآبائه، وما يزال رغم كبر سنه وأمراض الكبر يتمسك بهذه الحرفة مع اثنين من جيرانه في السوق.

مضت أكثر من ثلاثة عقود على “شهوان” في هذا الحرفة التي تقوم على صناعة المطارق والفؤوس والمحاريث الخشبية والدقارين ومهابيش القهوة والعكاكيز..” ومعدات أخرى.

وعند المرور في السوق، تجده متربعًا على ذات الشاكلة عند مدخل المحل مع بعض العصي الخشبية والأدوات القديمة التي تلزمه في صنعته.

“قدوم ومنشار ومطرقة وفأرة ومبرد”. تلك هي رأس مال “شهوان” ومعدات عمله الرئيسة التي يضعها في جالون بلاستيكي؛ ولا يرفع رأسه عن قطعه الخشبية إلا بالانتهاء من إعدادها لزبائنه الذين يقصدونه.

وحدها رائحة الماضي التي تفوح في المكان المبني من الحجارة الطينية المحلية الممزوجة بدخانٍ حرق النجارة وعبق قهوة يعدّها جاره في المحل وشريكه في الحرفة “أبو فادي الجبور” ويشاركهما في احتسائها مجموعة من كبار السن تربطهما صداقةٌ قديمة يأتون في كل صباح للتسامر سويًا في قصصٍ البعض.

يضع المُسن عصاً من شجر البرتقال على مائدة خشبية مُستديرة ثم يبدأ بنشرها ثم الطرق عليها بالقدوم ومن ثم تشكيلها بالفأرة وتلميعها وتنعيمها بورق “الصنفرة” لتصبح جاهزةً لتركيب القطعة الحديدية للفأس أو أي آلة أخرى يريد صناعتها.

وبحسب وكالة “صفا”، يقول “شهوان”: “النجارة العربية معروفة للفلسطينيين قديمًا كونها تقوم على أدوات معظمها تستخدم في البناء والزراعة وامتهنها جدي منذ أكثر من 100عام وورثها والدي في نفس المكان وتعلمتها منه وأنا في سن 10سنوات وعملت بها بشكل متقطع لحين توفى ولدي واستمريت في العمل بها دون انقطاع منذ نحو 30 عامًا”.

في كل يوم يأتي من منزله الذي يبعد نحو 3كم عن المكان تارة سيرًا مُتكئًا على عكازه الخشبي وتارة يستقل سيارة أجرة، فيما يسير نحو محله ببطء إثر آلام ركبتيه.

وعلى الرغم من ضعف النظر، إلا أن المسن أبو أحمد لا يحتاج أحد في تحركه من وإلى المحل وخلال العمل الذي يحتاج لجهد وتدقيق لكنه كما يتحدث يشعر بمتعةٍ كبيرةٍ رغم المشقة وهو يعمل بها على الرغم كذلك من ضعف حركة البيع؛ جراء الظروف الاقتصادية الصعبة.

ويسند ظهره المنحني على باب المحل مشيرًا بيده: “هذا باب من خشب (فلنك) القديم الذي صنعت منه أخشاب السكة الحديدية وأسقف المنازل القديمة؛ وأضاف: “أنا رجل كبير قلّت حيلتي عن السنوات الماضية وجهدي تراجع لكن أفضل من جلوسي في البيت”.

ولا يتطلع شهوان كثيرًا لحجم مبيعاته اليومية، فمتعة العمل تنشط جسده وذاكرته كفيلة بجعله سعيدًا.

ويقصد محله الزبائن بشكل شبه يومي ما بين من يشتري وأخرين يأتون لتبادل الحديث معه والاطمئنان على صحته.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات