إسماعيل الشرسف
– اليوم هو عيد الأم. استيقظت مبكرًا، أمضيت ساعة وأنا أفكر ماذا سأكتب لأمي على مواقع التواصل الاجتماعي، وساعة أخرى وأنا أكتب، كان منشورًا رائعًا مُفعمًا بالعاطفة الجياشة والعبارات البليغة، شعرت ببعضٍ من الزهو لأن منشوري هذا سينال العديد من أيقونات الإعجاب وبعضًا من التعليقات، سأعترف.. أمي مثل العديد من أمهاتنا يعانين من صعوبات في التعامل مع التكنولوجيا والتنقل لمشاهدة المنشور ثم التعليقات، قررت هذا العام أن أكتب لها وحدها، سأضحي بلعبة الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي، أمسكت قلمًا وسكبت أفكاري على ورقة وأعطيتها لأمي لتقرأها وحدها.
– قصة عيد الأم هي قصة مشابهة للثورات التي أشعلها الحالمون وسرقها الانتهازيون، في نهايات القرن التاسع عشر اخترعت الأمريكية «آنا جارفن» عيد الأم، فكانت توزع أزهار القرنفل الأبيض تكريمًا لوالدتها الراحلة، والتي كانت ناشطة اجتماعية تعالج هي ونسوة أخريات مصابي الحرب الأهلية الأمريكية، ثم أقنعت حاكم فرجينيا باعتماد يوم في العام ليصبح عيدًا للأم، وتلقفت الفكرة العديد من الولايات الأخرى، ومنها لتنتشر إلى باقي دول العالم.
وما لبث أن تحول إلى مناسبة تجارية، فأمضت آنا حياتها تحارب فكرة تحويل رمزية عيد الأم إلى سوق استهلاكي، إلى أن توفت عام 1943 فقيرة حزينة.
– عيد الأم أصبح أكبر المواسم التجارية، فالأمريكان يشترون بخمسة وعشرين مليار دولار هدايا لأمهاتهم، والإنجليز يشترون بخمسين مليون جنيه كروت معايدة وبمائتين وستين مليون جنيه ورود!
– في الأردن أعتقد أيضًا بأن عيد الأم هو العيد الأول تجاريًّا، ثم يأتي بعده عيد الحب، أما عيد الشجرة فلا بواكي له.
– يستفزني من يرسل بطاقة جاهزة لوالدته، فهذا دليل قلة اهتمامه بكتابة «كلمتين» من القلب إلى المرأة التي أفنت زهرة شبابها له، ويستفزني أكثر من يحضر علبة شوكولاتة أو قالب حلوى ويأكله هو وأولاده ولا تستطيع والدته المشاركة بسبب داء السكري، وبدرجة أقل من يهدي «طنجرة ضغط» أو «غاز» حتى يسهل لوالدته مهمتها عند دعوته للغذاء. حاول هذا العام من باب التغيير ألا تقدم هدية لنفسك تحت ذريعة عيد الأم، قدم هدية لها وحدها مهما كانت بسيطة.
– يبدأ عيد الأم بالاعتراف بعمل الأم داخل المنزل وخارجه، ربع القوى العاملة في الأردن من النساء، لك أن تتخيل الضغط النفسي الذي تتعرض له الأم من رعاية الأولاد، وجدول الأعمال الذي لا ينتهي، ودروس الأولاد والطبيخ واحتياجات الأسرة ومواعيد الطبيب والتطعيمات والنظافة والتدريس، ثم عملها خارج المنزل الذي هو تحدٍّ آخر. وإذا كانت من الأمهات المحظوظات يقف الأب إلى جانبها ويشاركها المسؤوليات، ولكن في معظم الحالات لن يكون بديلاً عنها.
– ونحن نتحدث عن عمل الأمهات – حسب تقرير للأمم المتحدة – فمن كل أربع ساعات تعملها المرأة، ثلاث منها بالمجان، والثلاثة هي عمل المرأة في منزلها. ماذا لو قدرنا القيمة المالية لعمل المرأة في منزلها؟ هناك من حاول احتساب عمل المرأة باستخدام «حاسبة العمل الخفي» Invisible Labour Calculator، فجمع أجور النظافة ورعاية الأطفال والتدريس والدعم النفسي وقدر الراتب الذي تستحقه لو قامت بنفس العمل بأجر 1500 دينار.
في هذا العام لدي اقتراح لأمهاتنا، أن يصدرن فاتورة مقابل كل هدية تقدم لهن، لنعرف تفاهة الهدية مهما كانت قيمتها.
-الأمومة هي أعظم وظيفة في العالم لا تُقدّر بثمن، أحلم أن نقدم لأمهاتنا شيئًا ذا قيمة؛ تأمين صحي مثلاً، ألا يفكرن بحليب أطفالهن أو كابوس المصروف المدرسي، تسهيل حياتهن إذا كن عاملات، أجر من الدولة…
مهما حاولنا فلن نوفيهن حقهن، كل عام وأمهاتنا بخير.
الدستور