د.عاصم منصور
تستقبل الدنيا هلال رمضان، ضيفا عزيزاً، وكريماً بما يحملهُ من معاني البركة،
والطهر، والنقاء، والإرادة الحقيقية للإنسان. لكن هلالنا هذا العام يطلّ علينا حزيناً،
وهو يرقبُ ما يحدث في العالم من تغيّر وتقلّب في الحال والأحوال، فقد استحكم الوباء
في غيبته، مخلفاً الكثير من الضحايا والمآسي، ومتسبّباً في تفاقم عقبات كثيرة سواءً
كانت اجتماعية، نفسية أو اقتصادية. فلم يَسْلم من شرّه أيّ من مناحي الحياة العامة،
وحتى الخاصة مع الأسف!
بهذه المقدمة كنتُ افتتحتُ مقالاً لي كتبته عشية رمضان الماضي، ولم يدُر في
خلدي أن هذا المقال لم يفقد صلاحيته حتى اللحظة، فمرّة أخرى نستقبل هذا الشهر الفضيل،
ويطل علينا هلاله، والعالم ما يزال يئن من وطأة هذا الوباء، الذي ألقى بظلاله الواجمة
على آلاف المنازل في مختلف أصقاع الأرض، وختم على قلوب ساكنيها بوجع الفقد.
ويحل علينا رمضان، وما تزال المساجد تشتاق للقائمين فيها، والمتعبدين، والناسكين
وتشتاق مآذنها لإطلاق نداء: “قوموا الى صلاتكم”، “حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح” لكن
صوت المؤذن ما فتئ يردّد بكمد: “صلّوا في رحالكم”!
لقد كان يحدوني الأمل أن تتغلب البشرية على هذا الوباء، لكننا ما نزال نصارع
في خضم المعركة، فحتى اللقاح الذي توقعّنا أن يكون في متناول شعوب العالم، واصل تعثره
في الوصول إلى كل إنسان له الحق في العيش والحياة الكريمة، واحتكرته أنانية الدول الغنية
التي استأثرت بنصيب الأسد منه، بل تاجرت فيه ومنعته عن الدول الفقيرة التي لم تكن ضمن
حساباتها. وقد عايشنا مرحلة صعبة من الخوف والقلق بين: التردّد في الإقبال على أخذ
اللقاح من قبل شريحة واسعة، ممن تأثروا بتبني نظرية المؤامرة، وبين فبركات السوشال
ميديا ومعلوماتها المضللة.