يجب على المستهجنين لما يرونه اليوم أن يتقبلوا ما يحدث لأنه نتيجة طبيعية لما أضاعوه من تاريخ حقيقي لهذا البلد الأشم، ورغم أن أدوات المئوية الأولى وشخوصها لا تزال حاضرة بتناسل أجيالها، فإن الإشكالية هي في عقلية المستجّدين منا والذين ضاعوا ما بين الأصولية الوطنية وما بين التغريب الحضاري سياسيا واقتصاديا، وحتى لانقع في المحظور، فإن إشراقات الوعي عند الجيل الجديد قد ظهرت بعد أن عض الجوع أمعاءهم، فأصبحوا يعرفون نوعية الاشخاص وأهواءهم، و أخطرها تسلل الليبراليين الجدد الى مفاصل غير مباشرة وغير مرئية في نواحي الإدارة منذ حقبة التسعينيات حتى اليوم.
وقبل البداية، يجب التفريق بين المتحذلقين بلا علم وبين علماء الاقتصاد الذين دخلوا من باب السياسة الخاصة، وأخرجونا من باب الفقر العام لا نملك شيئا، فقد سمعنا من يحاول إلصاق تهمة اللبرلة للحكومة الحالية وهي لا تملك أي لون من ذلك، بل هي نتيجة اضطرارية لما أسس له رهط اللبّرلة المتقدمون (..).
إن البداية الحقيقية للهجمة الليبرالية الجديدة بعد مطلع عام 1990، جاءت مع إرهاصات مباحثات أوسلو بين الفلسطينيين والاسرائيليين والاتفاق على صيغ التفاهمات الأولى بسرية، ثم انكشفت القصة وانخرط الجميع في السباق نحو عملية السلام، ولم يترك مطبخ القرار في واشنطن الفرصة لتضيع، فأوعزوا الى رجالاتهم باختيار عدد من الشخصيات العربية كي يكونوا أول الطلائع للمطبعين، فاختير مجموعة من الأكاديميين والاقتصاديين الأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين، ليشكلوا النواة الأولى وينخرطوا في مؤتمر مشترك تحت إشراف علماء اقتصاد أميركيون لتحديد مستقبل التعاون الاقتصادي بين بلدانهم.