يمرّ على الانسان عبر حياته أناس كثيرون، ومنهم من يصبح الصديق وآخرون ينسلون من فضاءاتك إلى حيث لا تدري، فيطويهم النسيان. وأحداث تمر في مجرى أيامك فيترك بعضها أثراً لا ينمحي، وبعضها يغوص في مخزون الذاكرة العميق، إلى أن تتذكرها وقد علقت خيوط العنكبوت حولها، فتمسح عنها الغبرة والشعشبون، وترى منها ملامح لا تكاد تميز منها شيئاً.
احتفلت يوم الثامن والعشرين من شهر حزيران بعيد ميلادي الثامن والسبعين. وقد صادف يوم ميلادي نفس اليوم الذي ولد فيه صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، مع فارق واحد وخمسين عاماً، وصادف في نفس الشهر أو الخامس عشر منه، أن كان عيد ميلاد الدكتور زياد فريز الثامن والسبعين، وقد دعانا الدكتور أديب حداد زميلنا في البنك المركزي لكي نتناول عنده طعام العشاء، ونجلس جلستنا الشهرية المعتادة، نتسلى، ونتحدث، ونتذكر الأيام الخوالي. واجتماعنا هذا الذي بدأ قبل نصف قرن وأكثر يضم زمرة منا ما يزال أكثرهم ع?ى قيد الحياة، وهم معالي محمد صالح الحوراني، وعطوفة د. صفوان طوقان، وعطوفة السيد سعيد حمامي، وعطوفة الدكتور عدنان الهندي، هذا عدا عن معالي د. زياد فريز، وعطوفة د. أديب حداد.
وقد كنا سابقاً أكثر من ذلك. فقد كان الراحل معالي الدكتور محمد مهدي الفرحان زميلاً وصديقاً مواظباً، وكذلك كان معالي د. بسام الساكت الذي ألهته الحياة ومصائدها فصار يغيب عن تلك الجلسات الشهرية. والآخر هو سعادة الدكتور عبدالله المالكي الذي ربما أقعده التهاؤه بكتابة الكتب والروايات المحكمة والتي كان آخر ما قرأته منها قصته عن فلسطين بعنوان «العبور الكبير».