خطة سلام أم مشروع حرب من نوع مختلف؟

أحمد حمد الحسبان
إلى أين تسير الأمور في قطاع غزة؟ وهل ما تزال هناك بارقة أمل بأن يتم الاتفاق على خطة سلام أو مشروع هدنة تنهي العدوان الذي تشنه إسرائيل والولايات المتحدة ضد أبناء القطاع والذي تجاوز 300 يوم؟ وأدى إلى مقتل 40 ألف غزّي غالبيتهم من الأطفال والنساء. وأكثر من عشرة آلاف ما زالوا تحت الأنقاض، وقرابة المائة ألف جريح؟ وتدمير 80 بالمائة من منازل القطاع وكامل بنيته التحتية.
سؤال بات يطرح بقوة في ضوء التطورات الأخيرة المتمثلة بتراجع إسرائيل عن كل الاتفاقات المبدئية التي أعلنت، ومباركة واشنطن لذلك التراجع. ومباركة وزير الخارجية الأميركي” بلينكن” التعديلات التي أدخلها نتنياهو، والتي ـ تقول المقاومة الفلسطينية ـ أنها شكلت نسفا للعملية من أساسها. وأن موقف بلينكن يتماهى مع موقف نتنياهو الذي لا يريد الاتفاق أصلا والذي يريد العودة إلى الحرب عندما يريد.
الطريف هنا أن نتنياهو يشترط النص على جملة من الاشتراطات التي تفرغ الاتفاق من مضمونه وتؤكد أنه لا يريد اتفاقا إلا ضمن إطار الافراج عن الأسرى. مع أنه قادر على التحلل من أي اتفاق حتى لو وقع عليه والتزم به، يساعده في ذلك غياب الوسطاء الذين يمتلكون القدرة على فرض بنود السلام المتفق عليها.
فالولايات المتحدة تعتبر شريكا في الحرب ضد الفلسطينيين ومع ذلك تسمى وسيطا. وباقي الوسطاء لا يستطيعون فرض أي التزام على إسرائيل التي تحظى بدعم مطلق وبشراكة حقيقية مع تل أبيب.
كل تلك الضغوطات، والتعنت الإسرائيلي يراها البعض من المحللين عناصر مساعدة في إحياء نموذج حرب كان سائدا قبل عقدين من الزمن. فلا تستبعد التحليلات عودة العمليات الفدائية في قلب تل أبيب في ضوء ما حدث قبل يومين.
يث نجح أحدهم في الدخول إلى وسط المدينة محملا بمتفجرات كان من الممكن أن تودي بحياة العشرات من الإسرائيليين، وهي العملية التي وصفها بعض المحللين بأنها نتيجة حتمية للتعنت الإسرائيلي برفض الاتفاق على هدنة تضع حدا للمجازر التي تتواصل على أرض قطاع غزة، وفي بعض المدن الفلسطينية في الضفة الغربية؟ وقد يلجأ الفلسطينيون إلى مثل تلك العمليات كرد على المجازر التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في مختلف أنحاء القطاع وفي بعض مناطق الضفة الغربية.
وتعاطيا مع التعنت الذي يبديه رئيس حكومة الاحتلال وبعض وزرائه إزاء اتفاق الهدنة الذي لم يشهد أي تقدم في مختلف الجولات التي عقدت. فالمجريات التي يتابع العالم تفاصيلها، تشبه إلى حد بعيد لعبة سياسية وعسكرية يتحكم بها طرف واحد، ويشهد على تفاصيلها” وسطاء” لا يملكون القدرة على إلزام المعنيين بتنفيذ ما يتفق عليه. ولا بعدم التراجع عن أي اتفاق، أو إضافة بنود جديدة. ما يطرح كما كبيرا من الأسئلة وصولا إلى جواب واحد.
الأسئلة تدور في مجملها حول مشاريع الهدنة التي اقترحتها بعض تلك الأطراف، والمناقشات التي تمت بخصوصها، والاتفاقات التي أعلنت حول خطوطها العريضة وتم تجاوزها والعودة إلى نقطة الصفر أو ما يزيد عنها قليلا.
أما الإجابة التي جاءت ضمنية أحيانا، وعلنية أحيانا أخرى فهي” مماطلة” ومحاولة للتأسيس للحرب من جديد بعد فترة من الزمن.
وبالتفصيل، هناك محاولة إسرائيلية أميركية مشتركة لاختصار المشهد بمجمله في نقطة وحيدة هي الافراج عن الأسرى خلال أسابيع، ورفض أي مشروع للسلام، والعودة إلى الحرب بكل تفاصيلها وبكل ما تمثله من بشاعة.
اللافت هنا، أن مجريات التفاوض تسيطر عليها دولة الاحتلال بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومجموعة من المتطرفين الذي يلوحون بالاستقالة وتخريب الائتلاف الحكومي فيما إذا لم تؤخذ مقترحاتهم ومشاريعهم بشكل كامل. وهي مشاريع ومقترحات تعبر عما يريده نتنياهو.
وفي أعلى المشهد هناك دعم غير محدود من قبل الولايات المتحدة التي تخطت دور الوسيط، والداعم، ودخلت في المواجهة أولا، والمناقشات ثانيا كشريك رئيسي وفاعل.
وبين هذه وتلك، هناك تحركات يمكن أن تؤسس لحرب جديدة شكلا ومضمونا، يمكن أن تغير المشهد بمجمله، وترفع من وتيرة المواجهات الدموية بأكثر مما هي عليه الآن.