تنطبق حالة الفوضى في بعض الدول العربية مع ما قاله الشاعر الجاهلي صلاءة بن عمرو بن مالك، الملقب بالأفوه الأودي لاتساع فمه، وما يزال كثير منا يتذكّر أبياته الشهيرة :
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلاّ لَهُ عَمَدٌ وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ
إذا تولى سراة القوم أمرهم نما على ذاك أمر القوم فازدادوا
والأديب البريطاني وليم غولدنغ (1911-1993) والفائز بجائزة نوبل في الآداب عام 1983 نشر روايته الأشهر “سيد الذباب” (Lord of the Flies) عام 1954، وقد أثار الكتاب عند نشره ضجّة كبيرة بين رافضين له كتاباً سخيفاً، والمؤيدين له رواية واقعية تتكلم عن مجتمع غابَ عنه الكبار (السراة)، فضاعت القوانين، وضاق بها الأطفال من أبناء الأغنياء الذين تربّوا على اتباع القانون والأصول، ليرفضوها في سعيهم إلى حكم أنفسهم، فيَنْكَبّون على بعضهم بعضاً، ويتحولون إلى حيوانات متوحشة.
في أبيات “الأفوه الأودي” ملخص رائع للصورة المطوّلة التي رسمها وليام غولدنغ في روايته “سيد الذباب”، وأصل العنوان مأخوذ عن الإغريقية بيلزيبوب (Beelzebub)، والتي تحوّرت في اللغات السامية إلى كلمة “بال زيبول”، وتعني سيد الذباب.
وبحثت في المصدر الذي يمكن أن يكون قد أوحى لغولدنغ كتابة روايته الأولى هذه، فوجدت أنه استوحاها من مصدرين، الأول من قصة نشرت عام 1857 بعنوان “جزيرة المرجان: قصة المحيط الهادئ”، ومؤلفها البريطاني ر.م. بالانتاين، والتي تحمل فكرة دينية تقول إن أطفالاً على ظهر سفينة وجدوا أنفسهم على جزيرة معزولة، ولكن قيمهم الدينية وتربيتهم السوية، رغم غياب السّراة عنهم، تجعلهم يبنون نظام حكم سلساً تُطاع فيه القوانين، ويتقيد فيه الجميع بالمبادئ والسلوكيات والمعايير المتفق عليها.