صيانة بلاط صاحبة الجلالة

هناك صحافة محترمة في الأردن، لكنها غير مقروءة ولا متابعة كما هو حال فقاعات البالون في وسائل التواصل الاجتماعي أو دكاكين الفضاء الإلكتروني التي اختطفت مزاولة المهنة بدون أدنى متطلبات الحرفية.
أتابع الفيسبوك مرة أو مرتين في اليوم لا لمتابعة تلك الفقاعات التي وجدت استرزاقها فراغا في الفضاء المعلوماتي بل لمحاولة فهم توجه جمهور المتابعين والمعلقين من مختلف المستويات والأعمار والثقافات.
كل ما نقوله من انتقادات واعتراضات ومهما سفحنا من آلاف المقالات في شجب تلك الظاهرة فإن ذلك لن يغير شيئا عند هؤلاء المتابعين، حتى مقالي هذا محسوب ضمن الهدر المسفوح لو كان موجها لهؤلاء المتعطشين للمعلومة فلم يعثروا عليها فتعثروا بمن يقدم لهم وجبة تضليل كافية لإدارة الحنق اليومي والغضب العام.
لذا، فما نكتبه موجه لمن تبقى من قراء “مهتمين” في دوائر صنع القرار في الدولة الأردنية، والرسالة ببساطة وإيجاز هي أن الدولة كلها متضررة من هذا الثقب الواسع في الإعلام الأردني، وعلاجه لا يكون فقط بالقوانين والتشريعات وقد أثبتت فشلها فعليا في إيقاف تلك المأساة.
الحل يكمن في تعبئة الفراغ بالمعلومات الجريئة الشجاعة والصادقة قدر الإمكان، وأقول قدر الإمكان لأني أتفهم حاجة الدول إلى السرية في بعض القضايا، لكن حتى تلك لها حلولها المهنية القائمة على تسريبات لا تحمل الدولة كلفتها السياسة، والأهم اختيار الأذن المحترفة في التقاط الهمسة “المعلوماتية”.
ما يحدث فعليا أن المسؤولين في الدولة الأردنية من مستوى الوزراء وما يليهم من مراتب رسمية يستخدمون الدكاكين والفقاعات لتسريبات تخدم مزاجهم الشخصي لا مصلحة الدولة، وهذا معروف عند كل الوسط الصحفي الذي صار يعرف لقاءات لوبيات الفنادق والمزارع والسهرات المغلقة التي – وللأسف- لا يتوفر فيها الصحفيون الحقيقيون الممارسون للمهنة باحترافية عالية، كما أنه حان الوقت ليشتغل الصحفي ” أيا كان في موقع المسؤولية” بما يتقنه، بدل توريط نفسه والآخرين باشتباكاته السياسية الخاصة، فالمهنة “وقد سابت وانسابت” صارت سلما وصوليا لكثيرين يجدون في “الوضع الراهن” فرصة لتقديم أوراق اعتمادهم في المناصب الرسمية.
هذه الظاهرة هي التي ربت ثقافة الغيبة والنميمة التي حلت محل الصحافة المحترمة، فصارت المعلومة مهما كبرت او صغرت رهنا للعجن التضليلي أو بهارات التشويق الشهية لجمهور من المفترسين الذين صارت ذائقتهم تبحث عن فضائحيات لا عن اخبار ومعلومات، هي أصلا غير متوفرة.
الصحافة المحترمة هي التشي تعالج الخبر بدون وصاية الرقيب بل بمهنية عالية يعرفها الصحفي الممتهن والمتمكن، والأردن به أساتذة مهنة من سيدات وسادة لا يقرأهم العموم من جهة، ولا يستطيعون الحصول على المعلومة من جهة أخرى، وهم عصيون على مفهوم “الحظوة” التي أنشأت حوزات التضليل الإعلامي.
كيف يمكن فرز هؤلاء بإنصاف؟
هذا سؤال كبير وقد استفحلت الظاهرة، وهنا يأتي دور الدولة بكامل مؤسساتها لإعادة الحوار حول الإعلام ودور المؤسسات الإعلامية ووضع حدود لتلك الأدوار.
نحن بحاجة إلى مطبخ حوار موضوعي وصريح وشرس بمسؤولية مهنية لإعادة المهنة إلى ممتهنيها، وحينها تصبح التشريعات الضابطة والحازمة ذات معنى.
أما ما نحن فيه حاليا، ليس أكثر من فوضى بلا إدارة مهنية، يلمع فيها الشعبويون “بكل جهلهم المهني والمعرفي” ، ويزداد فيه الاستبداد عند من يملك القدرة “الشبحية” على المنع او الحجب بحكم وظيفته ومنصبه، وينتهي بنا الأمر إلى معارك سياسية على لا شيء إلا إشعال حرائق الأزمات، وتمديد معارك الأمزجة الشخصية التي تصادف أنها تملك القدرة على التحكم من بعيد بالأدوات.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات