من وحي اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين السنوية

اختتمت قبل أيام الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، التي جرت العادة على عقدها سنويا، إضافة إلى اجتماعات الربيع التي تعقد في نيسان من كل عام.
هذه الاجتماعات تكون ساحة للمفاوضات بين ممثلي الدول وإدارات الصندوق والبنك للحصول على المزيد من المساعدات المختلفة، وتحسين شروط تقديم هذه المساعدات.
الاجتماعات السنوية الأخيرة كانت مكثفة من حيث عدد الاجتماعات والموضوعات والقضايا التي نوقشت، إذ عادت الاجتماعات وجاهيا بعد عامين ونصف العام من الاجتماعات عبر تقنيات المرئي والمسموع جراء تفشي جائحة كورونا.
وإلى جانب المفاوضات التي تجري في أروقة قاعات المؤسستين الاقتصاديتين الأكثر نفوذا في العالم، بين ممثلي الحكومات ومديري وخبراء هاتين المؤسستين، تجري العديد من الجلسات النقاشية المعمقة لمناقشة التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، وآثار سياسات الصندوق والبنك على الاقتصاد العالمي واقتصاديات بعض الدول، يشارك ويتحدث فيها عشرات الخبراء في الاقتصاد والتنمية والاقتصاد السياسي، من ممثلين للمراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني وشبكاتها في مختلف أنحاء العالم، وقد شارك كاتب هذه السطور في بعض هذه الجلسات النقاشية.
أبرز هذه التحديات كانت قضايا الديون الضخمة التي تتحمل أعباءها الدول وتفاقمت أخيرا، لتصل إلى نحو 300 تريليون دولار، وتناهز 350 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لمجمل الاقتصادات العالمية. ووفق معظم الخبراء؛ فإن أزمة الدين العالمية مهددة بالانفجار في أي وقت، ما قد يُدخِل العالم في أزمة اقتصادية مركّبة، وبخاصة بعد ارتفاع أسعار الفائدة إلى مستويات عالية، وفي هذا الجانب تطالب شبكات منظمات المجتمع المدني العالمية بإلغاء الدين على الدول الفقيرة، لتمكينها من تقديم الحد الأدنى من الحمايات الاجتماعية لشعوبها، ومنع توسع دوائر الفقر والجوع فيها.
إلى جانب ذلك، تبوأت مشكلتا الركود الاقتصادي والتضخم، الذي يواجه مختلف الاقتصادات العالمية، مرتبة متقدمة في النقاشات التي جرت في هذه الاجتماعات، إذ أكدت التقارير التي أصدرها الصندوق والبنك الدوليان، كل على حدة، وجود مؤشرات قوية على دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود تضخمي صعبة، تعود إلى طبيعة السياسات الاقتصادية التي تطبقها حكومات الدول الكبرى، والحرب في أوكرانيا، ويُتوقع أن تزيد هذه الأزمة من الصعوبات الاقتصادية والمالية التي تواجهها غالبية الدول الفقيرة، ما سينعكس على اتساع رقعة الفقر والجوع والبطالة في هذه الدول.
ولم تسلَم الرسوم الإضافية التي يفرضها صندوق النقد الدولي على الدول المقترضة منه من النقد، بل النقد الحاد، ليس فقط من شبكات ومنظمات المجتمع المدني، وإنما تعداهم إلى خبراء اقتصاديين من وزن “جوزيف ستغلتز”، الذي يحمل جائزة نوبل للاقتصاد، حيث اتهم الصندوق بتحصيل أرباح من دول هي بأمسّ الحاجة إلى المساعدة، وإجبارها على اتخاذ تدابير تقشُّفية مدمِّرة لشعوبها واقتصاداتها، والقبول بشروط تعجيزية مجحفة.
أما موضوع العدالة المناخية، فقد احتل مكانة كبيرة في المناقشات، باعتباره الخطر الذي يهدد الجميع، وباعتباره أيضا أحد محركات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها مختلف دول العالم، حيث تدفع شعوب وحكومات الدول الفقيرة ثمنا أكبر من الدول الغنية جراء الاحتباس الحراري الذي ينجم عن ارتفاع حرارة الكوكب وتداعيات ذلك على اتساع رقعة الجفاف وغيرها من الكوارث. ولم تسلم إدارة البنك من النقد الشديد جراء سياساتها التي تدعم زيادة احترار الأرض، خلافا لما تعلنه.
كذلك، كانت هنالك مطالبات بإصلاح الصندوق وآلية اتخاذ القرار فيه، باعتبارها آلية غير عادلة، تعكس غياب العدالة عن النظام الاقتصادي العالمي، حيث تمتلك الولايات المتحدة ودول أوروبا ما يقارب 53 بالمائة من القوة التصويتية داخل الصندوق، بينما تمتلك 55 دولة نامية وفقيرة 5.4 بالمائة من القوة التصويتية.
عديدة هي القضايا التي يمكن الحديث عنها من وحي الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، التي تهمنا في دول المنطقة والأردن بخاصة، وسيجري تناولها بتفصيل أكثر في مقالات قادمة إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات