دروس من فلسطين

بلال حسن التل
صحيح أنني لم أزر مدينة نابلس قط، لكنها مدينة دخلت تفاصيل حياتي اليومية، فهي مسقط رأس من أحب، ومدارج صبا زوجتي التي رحلت عن هذه الدنيا قبل شهور، ولي من نابلس وفي نابلس أصدقاء أعتز بهم، لذلك كله فإن كل ما يجري في نابلس يهمني على الصعيد الشخصي، ناهيك عن الإحساس الديني والشعور القومي، فكيف إذا كان ما يجري بمستوى ما نشاهده ونتابعه هذه الأيام في الضفة الغربية بقيادة نابلس، التي تؤكد من جديد أنها جبل النار، ومعقل الثوار.
إن ما يجري في الضفة الغربية بقيادة نابلس هو درس لكل الواهمين بأن الشعوب تستسلم لجلاديها، ففي الوقت الذي آمن فيه الكثيرون بأن الضفة الغربية خلعت رداء المقاومة، وانشغل فيه أهلها عن مقاومة الاحتلال، وانصرفوا إلى هموم حياتهم اليومية، بحثا عن لقمة الخبز، وهي السلاح الذي طالما استخدمه الطاغية والمحتل لإشغال الناس عن قضاياهم الكبرى ظنا منه أنه يلهي الناس عنه.
وفي الوقت الذي ظنت فيه عواصم القرار المتواطئة مع المحتل أن شعب فلسطين استسلم لانقسامات من ظنوا أنهم قادته وزعماؤه، ها هي الضفة الغربية تؤكد أن الزعامات المصنعة لا تفيد صانعها ولا تحميه إذا جد الجد وحان الحين.
وفي الوقت الذى ظن فيه المحتل ومن حالفه أن جيلا جديدا قد ترعرع في الضفة الغربية، لا علاقة له بالمقاومة، وصار شغله الشاغل متابعة التوك توك، والفيسبوك، والبحث عن فرص الحياة.
في هذا الوقت بالذات انفجرت الضفة الغربية لغما مدويا في وجه المحتل ومن حالفه، فسقطت كل مراهنات الأجهزة الأمنية وتنسيقاتها، وطار النوم والاسترخاء من جفون الآلة العسكرية المحتلة، وخابت كل تحليلات من فرضوا على الناس
كخبراء ومحللين سياسيين وعسكريين واستراتيجيين، فعادت الأمور إلى نصابها، وعادت نابلس إلى مكانتها الطبيعية والتاريخية مدينة للثورة ومعقلا للثوار، وأسقط فتية الضفة الغربية وشبابها كل مخططات التميع ونظريات الاستسلام، وأكدوا من جديد أن الشباب هم أمل أمتهم، وان تكميم الافواه لا يخفي الحقائق الكبرى التي تبرز الآن في فلسطين، وأولاها الحقيقة التي تقول إن الشعوب لا تستسلم لمحتليها وجلاديها، ولا تسلم قيادتها للطغاة ومهما طال الليل فلا بد من أن يبزغ الفجر، ليقول للمحتل والطاغية ها قد حان وقت دفعك ثمن علوك واستكبارك، وإهمالك لتطلعات الشعوب وإدارتك ظهرك لأناة المقهورين.
ما يجري في نابلس وسائر مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها ليس نهاية المطاف، لكنه جولة وجولة حاسمة في تاريخ الصراع مع العدو، لأنها أثبتت فشل نظريات التميع والاستسلام، وأسقطت نظرية التجويع من أجل التركيع، وأكدت أن الشعوب الحية لا تموت، ولا تستسلم لضيم. فتحية لفلسطين التي ما زالت تعلمنا دروس الحرية والحياة.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات