في الصحافة التي لا يقرأها أحد

انتقادنا المستمر للمنظومة الإعلامية الرديئة في الأردن لا يعني أنه لا يوجد صحافة جيدة ضمن حضور إعلامي محترم، لكن المشكلة أنه ضيق المساحة والانتشار وهذا مرده إلى نوعية المتلقي الأردني الذي صار يرغب بالإثارة واعتاد البحث عن فريسة دموية معلبة في مجموعة أخبار لا معنى لها.

الإحصائيات المتكررة تتحدث عن تغول وسائل التواصل الاجتماعي لدى مجموع الأردنيين، وبدلا من تصفح الصحافة المحترفة التي يعمل بها صحفيون محترفون على مواد صحفية محترفة تشمل تقارير وقصصا صحفية مشغولة ضمن قواعد مهنية وتقدم حقائق يتعب بها الصحفي، فإن السائد هو تلك الحالة الفوضوية من الأخبار المثيرة والمضللة والملفقة والتي غالبا ما يكون محتواها فضائحيا يتماهى مع الاحتقان الجمعي السائد.

في الصحافة الأردنية هنالك ما يجب قراءته، لكن لا أحد يقرأ فعليا، وحين أقول لا أحد فأعني صف المسؤولين في الدولة ومؤسساتها وقد دخلوا في مثلث الرعب كمتلقين يحاولون تجنب ذكر أسمائهم في فقاعات الفضائح التي لا يمكن تسميتها بالصحافة تحت أي عذر.

ما يقودني إلى ما أقوله، قصة حدثت معي خلال اليومين الماضيين وباختصار فقد كنت أعمل على مادة صحفية دسمة عن ظاهرة المخدرات على مستوى إقليمي، والمادة سياسية لأنها تتناول الدور الإيراني والنظام السوري في دمشق في تصنيع وتجارة المخدرات والتي أفضت في المحصلة إلى أكبر كارتيل في العالم لتجارة وتوزيع المخدرات، لا لغايات ربحية بل لغايات تقويض المجتمعات العربية المستهدفة وكان الأردن بوابة التهريب والإغراق.

أثناء العمل البحثي، وجدت مواد صحفية ربما من أهمها ما كان في عام 2016 مثلا، وقد أعدته الزميلة المقدرة والمحترفة سماح بيبرس على صفحات “الغد” الغراء، والمادة فيها كمية هائلة من المعلومات الخطيرة عن واقع المخدرات في الأردن وبالتفاصيل الرقمية والمعرفية، وهي مادة كانت كفيلة بإثارة الجدل الواسع بين الناس ووسائل الإعلام وكان الأجدى الأخذ بها بجدية عند كل الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الوقت كأولوية أهم من كل عبث الحديث عن إصلاح سياسي ونشر الوعي بالأحزاب بين الشباب، لأن كل هذا الحديث يصبح لغوا بلا معنى حين نعرف مثلا أن أكبر من ربع الشباب الأردني الذي نريد له أن ينخرط في الحياة الحزبية هو فعليا غائب عن الوعي بسبب المخدرات المنتشرة بينهم.

مرعب ما أورده تقرير منشور عام 2016، ولم يجد محلا له عند مؤسسات الدولة حينها ولا عند المتلقي الذي لا يزال مشغولا بالاشتباكات الفضائحية وما يعتقد أنه “معارضة” يتمحور حول تضخيم الرفض لكل ما هو موجود بدون الانتباه إلى الخطر الذي يدخل بيوتنا ويتمدد كل يوم، وهو إرهاب أبيض لا يختلف عن الإرهاب الأحمر الدموي الداعشي الذي هدد حياتنا ولا يزال.

هذا نموذج من نماذج عمل صحفي عديدة “وقليلة” في مؤسسات صحفية لا تزال تحاول من خلال مهنيين حقيقيين ان يقدموا للدولة والمجتمع خلاصات الحقائق بدون تضليل، ويعلقون الجرس لكن الصمم هو الغالب.

نعم، المتلقي “مواطنا كان أو مسؤولا” يتحمل مسؤولية كبيرة في ترويج “الزبد” الذي – وللأسف- لا يذهب جفاء في الأردن، وهذا المتلقي هو المسؤول عن انتشار التفاهة، أما الصحافة المهنية المحترمة فلا بواكي لها.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات