وقفية المصطفى.. هنا القدس من عمان

سامح المحاريق
اللطرون وباب الواد كلمات لها وقعها الخاص في ذاكرة الوطنية الأردنية، فهي تعيدهم إلى المعارك التي خاضها الجيش العربي للدفاع عن مدينة القدس بعد الإعلان عن قيام دولة اسرائيل ومحاولات مسابقة الزمن من جانب العصابات الصهيونية للحصول على أوسع نطاق ممكن من الأرض، وفي وسط ذلك يمكن الوقوف على بنيتين فكريتين تنازعتا المقاتل الأردني في هذه المعارك، الأولى، تتعلق بواجبه القومي تجاه أرض فلسطين، والثانية، تجاه مدينة القدس بوصفها مدينتـ(نا) لمكانتها العربية والإسلامية عقائدياً وتاريخياً وحضارياً وثقافياً.

وفي سنوات تالية، أصبحت القدس وفقاً لترتيبات دولية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وتولت المملكة بصورة مباشرة رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية بكل ما تحمله من قيمة للشعوب العربية والمسلمة، وجميع الشعوب المحبة للسلام والتي ترى في القدس مدينةً يجب أن تظل مفتوحة للجميع، وفي ذلك الوقت، عملت الأردن من خلال حيازتها للأوقاف الإسلامية على تعزيز المظاهر المرتبطة بهوية المدينة.

أتى الاحتلال الإسرائيلي للمدينة بعد قرار الأردن أن تشارك في حرب حزيران ضمن التزاماتها القومية، وهو الأمر الذي أدى إلى تخفيف الضغط على الجبهتين المصرية والسورية، فالأردن كما ذكر جمال عبد الناصر شخصياً في خطاب التنحي في التاسع من حزيران 1967 حول اشتباك الأردن في الحرب والظروف التي واجهها من قصف جوي ومدفعي:

ولقد كان هذا هو ما واجهته أيضاً قوات الجيش العربى الأردني التي قاتلت بمعركة باسلة بقيادة الملك حسين، الذي أقول–للحق وللأمانة–إنه اتخذ موقفاً ممتازاً، وأعترف بأن قلبي كان ينزف دماً وأنا أتابع معارك جيشه العربي الباسل في القدس وغيرها من مواقع الضفة الغربية، في ليلة حشد فيها العدو وقواه المتآمرة ما لا يقل عن 400 طائرة للعمل فوق

الجبهة الأردنية.

وبعد هذه الحرب، أتى القرار 242 الذي اعتبر ما قامت به اسرائيل احتلالاً بإجماع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وأكد القرار على احترام سيادة الدول على أراضيها، ونظر القرار إلى الضفة الغربية بوصفها أرضاً أردنيةً، من ضمنها القدس الشرقية، إلا أن التطورات التي لحقت بذلك، ووصلت إلى قرار فك الارتباط وتزامنه مع إعلان الدولة الفلسطينية وتمكين الفلسطينيين من الدخول في التفاوض وخروجهم المنفرد في اتفاقيات أوسلو، ظروف جعلت وضع المدينة المقدسة يحتمل مجموعة من الأسئلة، خاصة بعد أن ظهرت النوايا الإسرائيلية بتقليص طموحات الفلسطينيين من السيادة على الأرض إلى مجرد حكم بلدي تحوطه السلطة والإرادة الإسرائيلية، يترافق مع استيلاء على كامل مدينة القدس باعتبارها مدينة واحدة ليست بالضرورة ضمن الأراضي التي يشتمل عليها القرار 242.

توجبت هذه الحالة أن يعلن الأردن عن استمرار التزامه بالبيعة التي قدمها سكان المدينة للشريف الحسين بن علي، وكان ذلك يستلزم أن تتقدم الأردن بالوصاية وأن تحشد الدعم العربي والإسلامي، بما يعني الوضعية الخاصة لمدينة القدس، وأن يعترف الفلسطينيون بأن الترتيبات التي جمعتهم مع الأردن خلال الثمانينيات تضع القدس في مكانة خاصة، وذلك للخروج من إشكالية تمييع السند القانوني للقرار 242 بعد انتقال السيادة على الأراضي المحتلة 1967 من الأردن إلى منظمة التحرير الفلسطينية ومن بعدها السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو ما أقرته الاتفاقية الأردنية – الفلسطينية سنة 2013 لحماية القدس والأماكن المقدسة، والتي وضعت مدينة القدس المحتلة والمقدسات الإسلامية تحت وصاية جلالة الملك عبدالله الثاني، وبذلك أصبحت مسألة الوصاية تقف على شرعية جديدة من اعتراف فلسطيني بضرورة النأي بالقدس عن تجاذبات التفاصيل القانونية أمام نوايا اسرائيلية صريحة بضم القدس تكللت لاحقاً بنقل السفارة الأميركية للقدس سنة 2018 أثناء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاحتفالية الإعلان عن وقفية المصطفى لختم القرآن الكريم بالمسجد الأقصى يحمل رمزية كبيرة لتأكيد الوصاية الهاشمية في هذه المرحلة مع تصاعد اليمين الإسرائيلي، وعودة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى السلطة محمولاً على أكتاف اليمين المتطرف ونجمه الصاعد إيتمار بن غفير الذي يحتل تهويد القدس وتوحيدها كعاصمة لإسرائيل مكانة متقدمة في خطابه السياسي.

الصور التي خرجت من الاحتفالية أظهرت التمسك الأردني بورقة القدس والترفع بها عن التجاذبات السياسية الإقليمية والدولية، وفي الوقت نفسه، أظهرت القلق الذي يعتري الرئيس الفلسطيني بعد تراجع الخيارات أمام السلطة الفلسطينية، والوقفية ودورها يفتتحان فرصة من أجل العديد من الدول الشريكة من أجل العمل مع الأردن من أجل تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في القدس والمحافظة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة، وأيضاً صمود الفلسطينيين على أرضهم وفي سبيل حقوقهم التاريخية، ولكن من خلال العنوان الذي يقوم على أسس المشروعية والسند القانوني الدولي، وتحديداً، قصر الحسينية ومجلس الأمة الأردني.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات