في البحث عن “هالدفشة”

مالك عثامنة

قرأت مرة في أدب عالم الرحابنة وترميزاتهم الرشيقة في الأعمال الفنية التي قدموها أن أغنية “هالسيارة مش عم تمشي” كانت متخمة بإسقاطات رمزية على الواقع السياسي المشلول في لبنان، فالسيارة هي الدولة اللبنانية، والسيارة كما أفادت (زيون اللي ستها من كحلون) في مسرحية ميس الريم “بدها حدا يدفشها دفشة” لكي تصل إلى ورشة تصليح لم يعرف مكانها أحد.

وفي المشهد الأردني، وأمام كل أزمة حديثة تتوالد من أزمة سبقتها أجدني أتذكر الأغنية، ومع كل ورشات التصليح التي عانت منها “الدولة” أكثر مما استفادت ما نزال نبحث عن أسرار الدفشة المفقودة.

آخر أزماتنا الراهنة – ويقال إنها على وشك الحل– كانت أزمة اضراب سائقي عموم قطاع النقل في عموم المملكة، وهي أزمة حقيقية ازدحمت في نقيعها الدخاني الكثيف حكايات وإشاعات وتسريبات تجاوزت الأزمة نفسها إلى محاولات يائسة لتأجيج الشارع نحو ما هو أكبر.. وأخطر!

الأزمة اقتصادية في أساسها، والحلول الحقيقية بطبيعتها أصلا ستكون موجعة، لكن إدارة الحلول في المجمل تتجاوز الاقتصاد “بارد الأعصاب وقاسي الملامح” إلى إدارة سياسية وإعلامية واجتماعية جميعها كانت قاصرة أمام غضب واحتقان شعبي عبر عنه “وللمفارقة” سائقو نقل “مضربون” بخطاب واع يحدد المطالب بوضوح.

وأمام فراغ إعلامي شاسع المساحات، كانت الرسائل والإشاعات المثقلة بظلال أزمات سابقة لم يتم حسمها تظهر في وسائل التواصل الاجتماعي على هواتف الجميع، فتعاظم القلق العام.

في دولة حقيقية “كاملة العافية” لا يجب أن يحدث فيها ذلك كله، هناك مؤسسات تدير الأزمات بوحي القانون والتشريعات المتفق عليها في مجتمع “مواطنة” تعرف حقوقها كما تدرك واجباتها.

لكن، النقابات لدينا تمارس السياسة، وأصحاب المظالم في المهن لا يريدون شعارات سياسية، والسائق الذي تضرر يبحث عن حلول لعيشه ولقمة هذا العيش لا حلول الشرق الأوسط وعقد التاريخ السياسي للمنطقة.

والأحزاب التي أعيد إنتاجها وتفريخها بورشات تصليح ما تزال قاصرة وعاجزة عن تقديم برنامج كامل ومتكامل لرؤية “حكم” يؤهلها أمام صندوق انتخابات فقد معناه الحقيقي منذ زمن.

الأزمة الراهنة محرجة لدولة تحاول “التموضع” من جديد لاستعادة دورها الإقليمي وأمام فرص نادرة في عالم هو قيد التغيير حاليا، وهذا الشلل الجزئي مع أجواء القلق في المشهد السياسي الداخلي مشهد محرج امام قمة مرتقبة بعد أيام حساسة ومهمة على الأردن ان يكون فيه متماسكا بصلابة.

خلاصة القول:

فالإصلاح السياسي لا ينجزه وجود تشريعات قانونية وحسب، الإصلاح السياسي في الأردن يتطلب عملية إعادة بناء جادة وحقيقية وطويلة الأمد لاستعادة دولة المؤسسات والقانون التي غابت طويلا.

التشريعات أدوات تعبد الطريق الطويل للإصلاح، وهو إصلاح بات ضرورة للدولة في مئويتها الثانية، وأمام تغيرات إقليمية وعالمية لا تحتمل “الوضع الراهن” بكل مفرداته.

دولة المؤسسات والقانون والدولة الديمقراطية مفهومان مختلفان لكن يسيران بالتوازي لا بالتماهي، وورشة الإصلاح “الوطني” الشامل تحتاج دفعة قوية لتسير الدولة من جديد على سكتها الدستورية.

وفي المحصلة، الإقليم كله “طالعين” و “نحنا بمطرحنا قاعدين”، وبيجي دولة مختار وبروح دولة مختار.. وهالسيارة مش عم تمشي.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات